نظرة الإسلام إلى الظلم والظالمين

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 5-أبريل-1986 م

إذا ألقينا نظرة عامة على كيفية تناول القرآن الكريم والسنة النبوية وإرشادات العلماء والفقهاء والحكماء وفي كل زمان ومكان الأسباب المهلكة للحضارات الإنسانية والأخلاق المفسدة لحياة الأمم والشعوب ، والأمراض الاجتماعية والنفسية التي تنحر مقومات حياة الأفراد والجماعات ، وتقضي على مناعتها ضد الانحلال والانحطاط ، تجر على حاضرها ومستقبلها الكروب والويلات انكى من الظلم وقبحه ، وأثره الوخيم على حياة صاحبه وأهله وعشيرته ومجتمعه ووطنه .

وكفانا إنذارا واضحا وتنبيها ساطعا إلى خطورة الظلم بجميع أنواعه وضرورة اقتلاع جذوره من داخل النفس وخارجها هذه الآيات القرآنية الثلاث المليئة بالعبر والعظات والحكم والإرشادات الربانية وهي :

1 – ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا (الفرقان : 19) .

2 – وما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع (غافر : 18) .

3 – وما للظالمين من نصير (الحج : 71) .

وأما الأحاديث الواردة في بيان فداحة الظلم ووخامة حياة الظالمين فكثيرة ومنها : الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنه قال : ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ” وفي رواية له أيضا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فإن الشح اهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماؤهم واستحلوا محارمهم” . وجاء في حديث متفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين ” ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا : إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ : “وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة أن أخذه أليم شديد ” (هود : 103) .

مفهوم الظلم لعة وشرعا

الظلم لغة : وضع الشيئ في غير موضعه

وقال علماء اللغة بمزيد من التوضيح والتفصيل : أن الظلم هو وضع الشيئ في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه ، والظلم يقال بمجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة ، ويقال فيما يكثر وفيما يقلل من التجاوز .

ومن هنا فالكافر ظالم لأنه يضع الكفران والجحود بخالقه وربه ورازقه موضع الإيمان به والشكر على نعمائه فقال تعالى :” والكافرون هم الظالمون” (البقرة : 254) . والعاصي ظالم لأنه يضع التمرد ومخالفة أوامر خالقه موضوع الطاعة والخضوع له فقال تعالى :

“ومن يتعد حدود الله فقط ظلم نفسه (الطلاق :1) . وكل ما ينطبق على الفرد في هذا المجال على الأمة والمجتمع ، وأما المجتمع الذي يضع المظالم والمعاصي موضع مناهج العدالة والضوابط الربانية مجتمع ظالم لنفسه فقال تعالى : “وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة ” (الحج :45) . وقال أيضا : “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة” (الأنفال : 25) .

مصدر الظلم ضعف النفس

إن الظلم منشأه إما مرض نفسي أو اجتماعي أو ارتباك في التوازن النفسي أو الاجتماعي وأن الإنسان حينما يشعر بنقص في ذاته أو متطلباته يحاول شد ذلك بمحاولة الضغط أو القدرة أو الحيلة بتجاوز الحدود الواقعية أو بالاعتداء على من يقع تحت سيطرته وسلطته أو نفوذه ، وتكون هناك دوافع خارجية لارتكاب المظالم كانعكاس لواقع اجتماعي مريض أو اقتصادي أو سياسي وفي مثل هذه الحالات يحاول الإنسان بضعفه وخوفه الداخلي ، التستر على ما ينطوي عليه من عادات وأخلاق سيئة ينكرها المجتمع ، ومن هنا نرى بعض الظالمين يلبسون قمصان الصلاح والإحسان وفي الواقع هم يمتصون دماء الضعفاء ويستغلون سذاجة البسطاء والعوام .

وبالرغم من وخامة الظلم وضراوة آثاره على نفس الظالم ، لا يتورع بعض النفوس الضعيفة عن اجتارح المظالم بحق الآخرين ، حتى ذوي القربى كمال قال الشاعر الحكيم :

وظلم ذوي القربى أشد مضناضه على النفس من وقع الحسام المهند

السكوت على الظلم ظلم

وقد نص القرآن الكريم عللا أن الميل إلى الظالم والركون إليه والسكوت عليه ذنب عظيم يعاقب عليه صاحبه إذ قال : “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار” (هود : 113) . وإن هذا التندي بالركون إلى الظالمين أحد ابعاد الموقف القرآني من الظلم ، وقال بعض العلماء إن معنى “لا تركنوا” : أي لا ترتبطوا ولا تميلوا إلى الظالمين ، ولكن المطلوب هو إنقاذ ضحايا الظلم المستضعفين والميل إلى المظلومين في صراعهم ضد عوامل الظلم ، وكيف ينحاز عاقل ذو شخصية مستقلة وإرادة قوية إلى الذين أصبحوا عرضه لأنواع من الخيبة والخسران والضياع في الدارين حيث قال تعالى في شأنهم : “وقد خاب من حمل ظلما ” (طه :111) ، وقال : “إن لعنة الله على الظالمين ” (الأعراف : 44) .