المقومات الأصلية للحضارة الإسلامية

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 8-أبريل-1986 م

تجري اليوم في شتى الكواليس الخفية منها والظاهرة دعايات وأضاليل للتشكيك في مقدرة المسلمين على السير مع التقدم العصري والنمو التقني المتطور ، وهناك أبواق مشبوهة في داخل بلدان المسلمين أيضا تقوم بترديد تلك الصيحات تحت تأثير البنج الغربي أو بهزالة الثقافة الإنسانية الجادة وضلة المحاصيل العلمية ن مآثر الأمة الإسملامية المجيدة في ميادين الحضارة الإنسانية الشاملة والعبقرية الإسلامية التي بهرت أصحاب الحكمة والفلسفة والمعرفة في مختلف العصور ، وأن العبقرية الإسلامية هي التي قدمت للعالم الإنساني منهجا قويما يرجع إليه الفضل الأكبر في التطور الفكري والعلمي في العصر الحديث في كل المجالات ، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى إثبات وبرهان .

وأن الهدف الكامن وراء هذه الدعايات والأبواق هو تحريف المسلمين في صبغة دينهم الأصلية التي خلقت فعلا من العدم أو شبه العدم أمة ناهضة وناضجة وحضارة قويمة خلال فترة وجيزة وعندما عرف الحاقدون والساخطون هذه الحقيقة ما وجدوا سبيلا للحط من قيمة هذا الدين ولوضع حد لنهضة الأمة الإسلامية الا التشكيك في أهليته وملائمته مع التطورات العصرية والتقلبات الزمنية ويبدأ المسلمون ينحرفون عن جادة الطريق وينحازون إلى الإفراط أو التفريط في سبيل مسايرة العصر جهلا وارتماء في أحضان المغرضين وأحبال المفسدين .

ولهذا يتحتم على كل من له إلمام بحقيقة مقومات الحضارة وقدرتها على سبق حواجز الزمن لكي تصل إلى مدارج الكمال ومنازل البقاء والاستمرار والاستغلال أمام التيارات الجارفة والتضليلات الجارئة .

الإسلام يحارب الجمود والتقليد

وكما يكون الجمود والركود والخمول صفات يرفضها الفكر السليم والوعي الصحيح ، يكون التقليد الأعمى أيضا يناقض الفهم الحقيقي لمجريات الأمور ، لأن كلا منهما أي الجمود والتقليد يقتل قدرة الإنسان على الحركة العملية الحرة الإنتاجية ويجعله شبه ميت أو في حكم الجماد بل أضل منه درجة وأنجس منه قيمة .

وقد جاء الإسلام معلنا حربا شعواء لا هواده فيها على الجمود والتقليد فأعلن القرآن الكريم بكل صراحة وجلاء : “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” (الجمعة :3-4) .

فكانت المهمة الأولى لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم تحرير العقول البشرية من رق الجمود والجهل ومن عبودية التقليد والمحاكاة بدون تعقل وتفهم وتمعن ، فحفز القرآن النفوس البشرية إلى العلم والبحث والنظر وتحصيل الحكمة وعلوم الطبيعة كلها وإلى التدبر والتفكير في ملكوت السماوات والأرض وما فيها واكتشاف مكنوزاتها واستطلاع مكنوناتها فقال القرآن في صدد ذلك بكل حث وحفز لأولي الأفهام والأبصار : “إن في خلق السماوات والأرض وفي اختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون” (البقرة : 164) . ثم قال : “أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” (الحج : 46) .

يجب على أمة الإسلام المشي في نور الإسلام

إن الأمة الإسلامية إن صح هذا التعبير على المسلمين اليوم – لم تتخلف في العصر الحديث عن ركب التقدم العصري في عدة مجالات ذات أهمية بالغة في مجال تكوين الأمم الناهضة وتحديد شخصياتها المستقلة بدون الذوبان ، في التيارات المتجالبة والمتنافسة والمتحاسدة إلا سبب انحرافها عن صبغة الإسلام الأصلية وانبهارها بمفاتن العناصر المصبوغة بالمحاسن الخلابة البراقة ومن الأدهى والأمر ، أن المسلمين اليوم ما أخذوا حتى من تلك العناصر الدخيلة الخادعة إلا بريقها وقشورها وحتى اليوم لا تبذل جهدا كافيا ومطلوب للتميز بين الغث والسمين والعسل والسموم ، وما أصدق قوله تعالى في هذا المجال : “وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ” (العنكبوت : 43) .