كيف يصبح المسلمون خير أمة ؟

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 29-مارس-1986 م

يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا أمة الإسلام : “كنتم خير أمة أخرجت للناس” (آل عمران : 110) . ومن الطبيعي أن يتساءل كل من له اهتمام بشؤون الإسلام والمسلمين ، وله رغبة وشغف في معرفة الأسباب التي ساعدت المسلمين في العصور الأولى للإسلام على إحراز النجاح والتقدم في مجالات الحياة كلها ، وأقاموا الحضارة وأسسوا الدولة ورفعوا منارة العلم والمعرفة ونشروا لواء الأخوة والمودة والأمن والسلام في العالم الذي كان يعيش في كنفهم ويخضع لحكمهم كيف تم كل هذا وذاك خلال فترة وجيزة من انبثاق فجر الدعوة المحمدية ؟ هل كان بقوة السلاح وطاقة المال وكثرة الجنود ؟ ويجدون الجواب من واقع المواثيق التاريخية والوقائع والأحداث التي سجلها المؤرخون الثقات ، أنهم ما نالوا تلك “الخيرية” وتلك المكانة البارزة الفريدة في الكون ، بفضل الانتساب إلى قومية خاصة عرقية أو بوضعهم الخاص الاستراتيجي أو قوتهم المادية أو بفضل امتلاك الأسلحة الحربية ، ثم بماذا ؟ فنجد جوابا شافيا وكافيا من القرآن نفسه حيث أردف يقول عن أسباب نيلهم تلك “الخيرية” الممتازة : “تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” (آل عمران : 110) . وبهذه الصفات الثلاث نالوا هذه الدرجة العالية بين الأمم والشعوب في غضون فترة قصيرة وبصورة بارزة نبيلة ,

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الأمان لوحدة الأمة ونهضتها

إن الشرط الأول الذي بينه تعالة لنيل أمة محمد صلى الله عليه وسلم درجة الخيرية هو صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما أن تركه سبب الانحطاط لأية أمة أو دولة في مدار التاريخ الإنساني ويذكر القرآن الكريم مثالا على ذلك تاريخ “بني إسرائيل” فقال : “لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا كانوا يعتدون” (المائدة : 78).

وقد صار بنو إسرائيل عرضة للعنة الله والأنبياء والرسل لأنهم تركوا مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحينما تخلوا عن هذه الصفة الأساسية لوحدة الأمة ونهضتها تسرب إلى صفوفها الوهن والخوف وسقط من أيدي زعمائها زمام الأمور وصاروا في ضياع وحيرة وتقاتلوا وأفسدوا حتى أدى غيهم وبغيهم إلى قتل الأنبياء ، وتتجلى من تاريخ بني إسرائيل أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن فيهما صمام الأمان لحفظ كيان الأمة كما أنهما من أساسيات شرائع كل الرسل فقد أرسلوا جميعا للقيام بهذه المهمة لأنه لباب الدين الإلهي الذي داء هداية للبشر إلى طريق الحق والعدل فلا بد من وجود من يقوم بمهمة تعليم الناس ومبادئ الدين الحق ، ويدعوهم إلى القول الحق والعمل الصالح الذي يعود على الأمة كلها خيرا وعدلا وأمنا ، ويقول القرآن الكريم أيضا : “وتعاونوا على البر والتقوى وتعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ” . فيجب على المؤمن الحق أن يتعاون بقدر الإمكان على نشر البر والإحسان والخير والصلاح بين الناس وعلى إزالة الظلم والعدوان ، ولا يتحقق هذا الهدف النبيل إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمفهوم الظاهر لهذه الآية الكريمة أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتسبب لانتشار الفسق والفجور بين أفراد الأمة وبالتالي يزداد الظلم والعدوان وبهما تتفكك اواصر الوحدة وتنتشر بواعث الفرقة والفوضى والحروب الأهلية والكروب الوطنية ، ومن هنا نعرف ونفهم مصداق قوله تعالى : ” واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ” .

عقاب ترك الأمر بالمعروف

إذا كان المجتمع متساهلا ومتخاذلا ومتكاسلا في مجال التعاون والتضامن في سبيل الدعوة إلى خير المجتمع كله وصلاحه وتقدمه والدفاع عنه فيكون كله عرضة للأغلال والانحطاط فيصيب الأذى كل أفراده بصرف النظر عن الصالح والفاسد ، لأن الفاسد يلقي نتيجة انحرافه وارتكابه المفاسد وأما الصالح الساكت فيصيبه أذى العقاب النازل على المجرمين لأنه انعزل عن حقوق المجتمع وركن إلى الراحة واختار السلامة لنفسه فقط دون بني وطنه وجنسه ونسي أن الفتنة لها آثار عامة وأصداء مدلهمة كما بينه رب العالمين : “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة” . وإذا كان المجتمع ضعيف أمام الأخذ بيد العابثين ، وكبح جماح المجرمين في حقه فإن المجتمع كله ووطنه ومصادر ثرواته وطاقاته ، يتعرض للنكبات والملمات “فلا يلومن إلا نفسه” ، “وقد أعذر من أنذر” .

السلبية ضد الخيرية

لقد عرفنا من الإرشادات القرآنية والمفاهيم العقلية والمنطقية أن الأمة الإسلامية قد حصلت على منزلة الخيرية – كنتم خير أمة أخرجت للناس – بقوة التعاون في الخير وهو الأمر بالمعروف ومكافحة الشر وهو النهي عن المنكر ، وكل هذا وذاك بإيمان راسخ بالله وفضله وقضائه وقدره ، وهذه الصفات الثلاث – تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله – صفات إيجابية وأن صيغة “تأمرون” و “تنهون” و “تؤمنون” تدل بالضرورة على الاستمرارية والثبات فلا صلاح ولا نجاح لأمة الإسلام إلا بالعمل بها بلا خمول وبلا سلبية وبلا انعزالية …