منة الله العظمى على أمة الإسلام

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 15-يوليو-1986 م

إن من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على عباده إرسال رسله هداة ودعاة إلى طريق الحق ونورا وبرهانا إلى طريق الجنة ، وقد أشار رب العالمين إلى هذه المنة الكبرى على خلقه من الجن والإنس كافة إذ قال : “ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعهم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله ، وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم” (آل عمران : 179) ، وقال تعالى أيضا : “وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ” (النساء : 64) ، وطاعة الرسل واجب يفرضه العقل السليم ولو لم ينزل بوجوب الطاعة لهم وحي صريح ، وذلك أننا إذا استعرضنا ما يدعو إليه الأنبياء والرسل من الحق والفضيلة والخير ، وما ينهون عنه من الباطل والشر والخرافات والخزعبلات ، نراه مطابقا للفطرة السليمة التي فطر الناس عليها وتتحقق بتعاليمهم السعادة للإنسان في جميع مرافق الحياة البشرية ، وكلها إصلاح وإسعاد وإخلاص وهداية ورحمة ، وبمقتضى العقل والمنطق السليم .

والنعمة الكبرى

وقد اصطفى الله الخالق البارئ واجتبى خاتم رسله وأشرفهم شاهدا وبشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا ومنيرا ، لمعشر الجن والإنس إلى أبد الآبدين ، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، وأن رب العزة والجلال يذكر أمة محمد صلى الله عليه وسلم هذه النعمة العظمى والمنة الكبرى التي خص بها هذه الأمة إذ قال في كتابه الحكيم : “لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” (آل عمران : 194) ، ثم يذكر العرب الذين هم طليعة الأمة المحمدية وقد نزل القرآن الكريم في عربي مبين وكان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم عربيا ، إلى هذه الحقائق الثابتة يشير القرآن الكريم : “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ، ذلك فضل اله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ” (الجمعة : 4) .

أسباب النصر والعزة

وكان فضل الله على العرب المسلمين إذ آثرهم دون الآخرين من خلقه – بحكمة بالغة يعلمها – بهذا الرسول الأعظم الذي جعله رحمة للعالمين جميعا فقال : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” ، وكيف لا يقدر المسلمون العقلاء من العرب وغيرهم بهذه المنة الكبرى والنعمة العظمى والميزة الغالية التي تفضل الله سبحانه وتعالى بها عليم إذ جعلهم أمته وحملة رسالته ودعاة دينه ، وقد جعل عز وجل هذا النبي الكريم معيار محبة عباده طاعته إذ قال : “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم” (آل عمران : 31) ، وإذا أدرك المسلمون حق الإدراك حكمة الله تعالى في إرسال رسله عامة وفي اصطفاء خاتم الأنبياء والرسل ليكون هاديا وبشيرا ونذيرا لكافة البشر وأنزل عليه كتابه الخالد دستورا إلهيا عاما وشاملا وكاملا وأعلن بكل صراحة ووضوح وجلاء لكل من له قلب أو لقي السمع إذ قال : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” (المائدة : 3) ، وإذا أدركوا هذه الحقائق ليعرفوا أن تقدمهم ونهضتهم وفوزهم ونجاحهم في دنياهم وأخراهم وهي باتخاذ هذا الرسول قدوة حسنة ، واتخاذ القرآن الذي أنزل عليه رب العزة والعرش المجيد دستورا لحياتهم في شؤونها كلها فحسب اتباعهم لهذا الرسول وتطبيقهم لهذا الكتاب في مواقف حياتهم يكون فلاحهم وكرامتهم وعزتهم عند الله وعند الناس وإلى هذه الحقيقة يناديهم القرآن ليلا ونهارا بلسان عربي مبين لا عوج فيه ولا غموض فيعلن : “قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا ، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني لا يشركون بي شيئا ، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ، ولا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير” (النور : 54-57) .

وكفى العرب المسلمين جميعا هذه الآيات الكريمة فهما وإدراكا ومعرفة ووعيا لأسباب وعوامل الفوز ووسائل التقدم ما داموا يتخذون الرسول سبيلا والقرآن دليلا : وأن طريق الحق والنصر والنجاح واضح ومعالمة ثابتة ولامعة ، وأما الطامة الكبرى فإن المسلمين يبحثون عن الخير في غير مظانه ويبحثون عن النصر في غير مكانه ويبحثون عن العزة والكرامة بغير وسائلها وأسبابها وما أكثر الآيات التي تؤكد وما أكثر الأحاديث التي توضح بأن العزة بيد رب العزة وان الكرامة عند الله رب العالمين فقال : “الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أ يبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ” ( النساء : 139) ، ثم قال : “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون” (المنافقون : 8) ، وأما الكرامة فمدارها التقوى والفضيلة والخير ، والأعمال الصالحة كما قال تعالى : “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” وهل نقدر نعمة الله حق قدرها ؟ ونزجي شكرها ؟ .