مغبة التسرع في الحكم وعدم التبين

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 16-ديسمبر-1985 م

قد حذر الله سبحانه وتعالى من التسرع في الحكم وعدم التبين ، قبل أن نصدر حكما أو نكون رأيا عن شخص أو جماعة ، فقال تعالى في دستوره الخالد : “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصوبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ” . وعندما نقرأ هذه الآية نقف مبهورين ومستغربين لأن هذه العادة تحدث الآن في كل مكان في إصدار أحكامنا على الناس جزافا بدون تدقيق ، ونكون آراء خاصة عن أشخاص وجماعات بمجرد سماع الإشاعات والأقاويل ، قبل التأكد من مصادرها والتبين عن دوافعها وأسبابها .

ضرورة معالجة القضايا بعناية

ولذا ينبغي على الإنسان كفرد وعلى المجتمع كجماعة ذات مسؤولية أمام الله والتاريخ والأمة معالجة القضايا والمسائل والمشاكل التي تحدث بين المسلمين ، في هذه الأيام بصفة خاصة ، بعناية تامة ، فإذا وقع خلاف بين الفريقين منهم أو حدث منكر من الأفراد أو الجماعات منهم فعلاج تلك الحالة يكون بحكمة ونصيحة وبمعروف وحسنى . ولنا عبرة وعظة من الآية التالية عن كيفية تصرف المسلمين عندما يقع الخصام والقتال فيما بينهم فيقول الرب تعالى هاديا مرشدا : “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله ..” ولو تأمل المسلمون اليوم في حالهم وفهموا التعاليم القرآنية لقاموا بحق الأخوة الإسلامية . ولأن الأخوة التي يريد تحقيقها الإسلام ، ليست أخوة الكلام ، وأخوة اللسان وإنما هي أخوة عملية وإيجابية وأن مجرد التفوه بها في المحافل والمجالس والتسطر بها على صفحات الجرائد والمجلات والصحف أو التشدق بها في الإذاعات والتلفاز ، لن يؤدي في كثير ولا قليل ، إلى الهدف المنشود من هذا الرباط الوثيق ، الذي أشار إليه أشاد به القرآن الكريم ، إذ قال : “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها وكذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون” .

الدين النصيحة

لقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل تأكيد ووضوح : “الدين النصيحة” .والنصيحة إنما هي قصد الخير وحب الخير للآخرين كما يحبه لنفسه ، وبعبارة أخرى فإنما هي المقصود بشعار “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” المفروض على كل مسلم ومسلمة ، كل بقد طاقته وفي حدود مقدرته ودائرته ، كما أنه القاعدة الأساسية التي يرفع عليها صرح “خير أمة أخرجت للناس” . فيوقول القرآن موضحا الصفات اللازمة لهذاه الأمة المثالية : “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ” .

وقد ربط الله سبحانه وتعالى بين قيام خير أمة على وجه الأرض وبين تحقيق ألأخوة الصادقة والمودة الصافية ، والنصيحة الخالصة فيما بين أفراد تلك الأمة . وفي هذه الآية إيحاء بأن القلوب إذا تقاربت واتحدت وتسارعت إلى الخير ، وتباعدت عن الشر ، فتكون الأم التي تتكون من مثل هؤلاء الأفراد ، أمة قوية وعزيزة وناجحة في معترك الحياة كلها .

مغبة سوء الظن

إن إساءة الظن بأي شخص أو محاولة تصيد عيوبه أو تجسس أسراره ، ظلما وعدوانا ولمجرد الهواية ولهوى النفس ، من أكبر الجرائم الخلقية التي نهانا الله تعالى عنها بكل قوة وصراحة ، فلنقرأ هذه الآيات الحكيمة : ” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهنولا تلمزو ا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون . يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ” .

وأما التسرع في الحكم على الناس . واتهامهم جزافا وسوء الظن بهم لمجرد الأوهام والظنون والإشاعات ، قد يفرق الجماعة ويمزق أوصال الأمة فتفشل وتذهب ريحها ! .