أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 17-ديسمبر-1985 م

إذا ما ألقينا نظرة إلى النظام السياسي الذي أتى به نبي الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بوحي رباني وإرشاد إلهي لتنظيم الحياة البشرية على وجه الأرض ، بطريقة فطرية سليمة ينال بها الإنسان سعادتي الدارين ومرضاة الرب تعالى ويرحل من هذه الحياة الدنيا راضيا مرضيا ومطمئن النفس ومستريح البال ، نرى أن الخلق الحسن هو مدار ذلك النظام ، ولإكمال ذلك الخلق ولإتمام خصاله وشؤونه جاءت الكتب السماوية ، وأرسل الأنبياء والمرسلون .

ولقد بين رسول الإسلام ، وخام الأنبياء الغرض الأساسي من بعثته بقوله : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” . وجاء في القرآن الكريم وصفا دقيقا لشخصية الرسول عليه الصلاة والسلام إذ قال له مخاطب : “وإنك لعلى خلق عظيم” .

الدين المعاملة

جاء في الأُر الحكيم : “الدين المعاملة ” لأن المعاملة هي عطاء الإنسانية في أروع صورها ، ولقد أجمل الرسول الإنسانية معاني الدين كلها في المعاملة وقد شدد بشتى الوسائل والأساليب على ترسيخ هذا المفهوم السامي في تصور الإسلام ، لأن بذل المعاملة الحسنة من أبسط الأمور نظريا وقولا ولكنه من أثقل الأمور في ميزان الأعمال وأكثر الأشياء أثرا على النفوس ، وأن المعاملة بالحسنى والرقة والخفة تقرب صاحبها إلى قلوب الناس ، ومن الحقائق الثابتة علميا وعمليا أن الإنسان ، مهما كانت طبيعته وبيئته المحيطة بحياته ، يجب من أحسن إليه ويفيض عليه قدرا من التقدير والتكريم ، ومن هنا قد شاع القول المأثور : “الإنسان عبد الإحسان” .

تأثير القول أقوى من تأثير المال !

إن عطاء المال عطاء ممنون وموقوت ، وأن مظاهر تأثيره مصحوبة بدوام آثاره وبقاء صاحبه ، وأما تأثير الكلمة والمعالمة الحسنة فأثرها خير وأبقى ، وأحسن خلقا ، ومن هذا المنطلق نفهم ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “إنكم لتسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ” .

وقال الشاعر الحكيم في معرض بيان الآثار الباقية المترتبة على الكلام بالمقارنة إلى الآثار المرتبة على الأشياء المادية والاعتبارات الزائفة بمرور الأيام ، إذ قال :

جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان

ويدخل في الخلق الحسن الرفق والحلم والمشاركة الوجدانية في السراء والضراء ، ومخالطة الناس في الممارسات اليومية بدون ترفع ولا تأنف ، وبذل الجهود لتكريس معاني المودة والأخوة والمساواة مع كل من حواليه من الزملاء والأقرباء والأصدقاء والجيران والعمال والخادمين .

المؤمن هين لين سهل !

لقد وضع رسول الرحمة وأسوة المعالمة الطيبة وقدوة الأخلاق الفاضلة ، ونبراس الإنسانية بتزكية خالق البشر وشهادة رب العالمين ، حجر الزاوية للخلق الحسن الذي هو أكمل الصفات وأتم الخصال الحميدو للمؤمن الحق ، فقال : “ألا أخبركم بمن يحرم على الناس أو تحرم عليه الناس ، تحرم على كل قريب هين لين سهل ” .

ثم أوضح هذه المعاني الفاضلة الراقية بجوامع كلمة الأخاذة وأسلوبه الرائع : “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، والموطؤون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ” .

وهذا ما ساقه المصطفى صلى الله عليه وسلم في صفات أمته المثالية للعاملين جميعا . وأين نحن الآن ؟ ! .