خير الأنبياء وخير الأمم

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 31-ديسمبر-1985 م

لقد اختار الخالق سبحانه وتعالى محمد بن عيد الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولكافة الناس بشيرا ونذيرا ، وبه اكتملت حلقات الرسالات السماوية وتمت نعمة الرب على عباده ورضى بالإسلام دينا للبشرية إلى يوم الدين فقال : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام الإسلام دينا ” .(المائدة : 3) . ومع كمال الدين وتمام النعمة ، وتمت كذلك مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال فخاطب الله سبحانه وتعالى خاتم رسله فقال : “إنك لعلى خلق عظيم ” . وقال عليه السلام : “إن الله تعالى بعثني لإتمام مكارم الأخلاق وإكرام محاسن الأعمال ” .(رواه الطبراني في الأوسط عن جابر رضي الله عنه) .

منزلة الرسول العظيم بين الرسل

وفي ضوء الآيات القرآنية والأحاديث التي وردت في شأنه قد ثبتت منزلته بين سائر الأنبياء والرسل ، فأصبح شرعا وعقلا وحقا واقعا ، أفضل الأنبياء وآخرهم وأكملهم دينا وخلقا ومكانة عند الله تعالى . وقد نص القرآن بأن لا نبي بعده إذ قال : “ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ” وهذا نص صريح بختم النبوة والأنبياء بعده فإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالأولى ، لأن مرتبة الرسالة أخص من مقام النبوة ، فإن نفي العموم ينفي الخصوص من باب أولى . وهذه الخصائص من إتمام الرسالة وإكمال الدين ، وختام النبوة ، وعموميتها وشموليتها ، لكافة البشر إلى يوم القيامة ، لم ينلها نبي أو رسول قبل المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فصار بها أشرفهم وأعلاهم مكانة عند الله تعالى وبين الخلائق كلهم . وهذه فطرة إلهية في خلقه وتدبيره وحكمه . ومن الآيات الواردة الدالة على هذه الأفضليات بين أنبياء الله ورسله : “تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ” . و “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” . و “تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ” . و “وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ” .

منزلة أمة محمد بين الأمم

وكون الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء والرسل ، وأعلاهم مكانة وأكملهم دنيا يستدعى بحكم النص والمنطق السليم ، أن تكون أمته هي آخر الأمم التي تحمل الرسالة السماوية وتكون مسؤوليتها أهم ومجالها أعم ، ومهمتها أعظم في شأن إبلاغ تلك الرسالة إلى كافة الناس في كل زمان ومكان ، إلى يوم القيامة ، لأن مخاطبة تلك الرسالة المحمدية هي عموم البشرية ، وموقعها العالم كله ، وزمنها هو مدة وجود الإنسان على الأرض . ولم تجتمع هذه الصفات وتلك الميزات لأية أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “نحن آخر الأمم وأول من يحاسب ، يقال : أين الأمة الأمية فنحن الآخرين الأولون ” . (ابن ماجة) .

وجاء في حديث نبوي أخرجه الإمام أحمد والإمام الترمذي بعض التفاصيل عن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء الآخرين وعن مكانة أمته بين الأمم الأخرى وجاء في تلك الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا ، فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نسفا ” . وبصرف النظر عن مدى صحة ومكانة هذه الروايات بين أئمة الحديث وعلمائه ، فإن الآيات والأحاديث الواردة في منزلة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وأمته كثيرة ، حيث تعطي قوة ومكانة لهذه النتيجة الحتمية النهائية التي نحق في صدد إثباتها في ضوء الأدلة العقلية والنقلية وهي أن الرسول آخر الرسل وأن أمته آخر الأمم . وكما أنه خير الأنبياء فأمته خير الأمم !

الأمة المحمدية شاهدة على الأمم

لقد نص القرآن على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم شاهدة على الأمم كلها لأنها آخر الأمم والذي يشهد عليها هو ورسولها الذي هو آخر الأنبياء وخاتمهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : “جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما حعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ” . (الحج : 78) . وقد نالت الأمة المحمدية هذا الشرف بالصفات التي وصل إليها كمال الإسلام وتمام النعمة وختام النبوة ورضاء الله تعالى بالإسلام دينا .