ضرورة الالتزام بالمنهج لا بالأشخاص

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 10-أغسطس-1986 م

لقد بعث الله تعالى النبيين والمرسلين في مختلف الأزمنة والأمكنة لهداية الناس إلى طريقته المستقيم الذي ارتضاه لخلقه وختم سلسلة هؤلاء الأنبياء والرسل وحلقات تلك الرسالات السماوية ببعثة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وإنزال كتابه الخالد القرآن الكريم فقال : طاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” (المائدة : 3) .

وقد تبين من هذه الآية الكريمة أن الإسلام هو المنهج الإلهي الذي ارتضاه الله تعالى لعباده دينا ونعمة وسببا لنيل رضاه في الدارين وسعادة وطمأنينة في الحياتين الدنيا والأخرى ، وقد نسب الله سبحانه وتعالى هذا المنهج إلى نفسه بكل جلاء وصراحة إذ قال : “وأتممت عليكم نعمتي رضيت لكم الإسلام دينا ” فجاءت كل الأفعال منسوبة إليه بصيغة “المتكلم” لئلا يتسرب أي ظن أو شك لعقل أو تصور أو فكر أن في وضع هذا المنهج أو صياغته أو وضعه دخلا لأحد إلا الله الواحد القهار ، وقد أكد هذه النية التامة بقوله أيضا : “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله” (الأنعام : 153) .

فصار من المعلوم بنص القرآن وبمفهوم العقل والمنطق أن الاتباع المطلوب من كل إنسان هو بمنهج الله مباشرة بل وجاء النهي ضمنيا وجليا عن اتباع شيئ غير ذلك المنهج سواء الأشخاص أو المذاهب والسبل فيضل ويشقى ويبتعد عن طريق الله المستقيم .


وما على الرسول إلا البلاغ

وأما مهمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كسائر الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، فهي إبلاغ المنهج الإلهي المنزل عليه إلى الناس بدون إكراه ولا سيطرة وبلا تشديد أو تنفير لأن العقيدة مقرها القلب ولا سلطان عليه لأحد إلا لخالقه ومصرفه ، وقال تعالى مخاطبا خاتم رسله صلى الله عليه وسلم : “ليست عليهم بمسيطرة” (الغاشية : 22 ) وأيضا قال : “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (يونس : 99) ثم قال : ” ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” (آل عمران : 199) .

وأن طبيعة الإيمان بالرسول إنما هي بكونه المبلغ برسالة الله تعالى إلى عباده بأمانة ودقة وحق وصدق وهو مصون من الله الذي أرسله لإبلاغ رسالته ، عن كل خطأ ونسيان وإهمال وتأخير في أداء مهمته كما أنه معصوم من الذنوب والخطايا بعصمة من الله عز وجل ، وأن للرسول مهمة أخرى إلى جانب الإبلاغ السليم الصحيح وهي بيان ما أنزل عليه قولا أوعملا أو قدوة وسيرة حسب مقتضى الظروف والمستلزمات لأن الله سبحانه وتعالى يشير إلى هذه المهمة البيانية للرسول صلى الله عليه وسلم فقال : “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ” النحل : 44) ، ثم قال : “وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ” (النحل : 64) .

وأن نسبة مصدرية المنهج الإسلامي الحقيقية إنما هي إلى الله تعالى أما نسبته إلى الرسول الذي بلغه وبينه بالتفسير البياني العملي أو القولي فهي في الواقع مثل نسبة الرسالة إلى مرسلها وإلى الرسول الذي حملها إلى المرسل إليهم فإن محتوباتها ومضامينها من عند المرسل وحده ولا تنسب إلا إليه ، ولكن الرسول الذي اختاره لإبلاغها إلى من يريد ، فينبغي أن يكون محل ثقته واصطفائه ومطيعا أمينا ثم يجب أن تكون لديه الكفاءة والقدرة والكياسة والحكمة لإقناع المرسل إليهم بمصدر رسالته التي يحملها ولأحقيتها ومسؤوليته العظمى في إبلاغها بدون أدنى إهمال أو تحريف أو زيادة أو نقصان ، وتزداد مسؤوليته أهمية وخطورة عندما يكون هو أيضا مكلفا ببيان ما فيها من مسائل وأحكام وتفسير ما فيها من مجمل وموجز ، وهكذا أنيطت مهمة التفسير والبيان العملي
بالنبي صلى الله عليه وسلم كما تبين من الآية السابقة : “لتبين للناس ما نزل إليهم” .

السنة النبوية إنما هي تطبيقات عملية للمنهج القرآني

إن عملية المقايسة الصحيحة بين القرآن والسنة النبوية فهي التطبيقات العملية للمبادئ القرآنية كما أن هذه السنة الصحيحة هي المعيار الذي به تقوم أعمال العباد وتصرفاتهم حسب المفاهيم القرآنية لأن الله سبحانه وتعالى قد أمر عباده لأن يتخذه رسوله الأمين قدوة حسنة في مجال تطبيق المنهج القرأني فقال : “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” (الأحزاب : 21) وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صار قدوة وأسوة لا بصفة شخصية مطلقة بل بصفة كون حياته تجسيدا للمنهج الإلهي وقد ألزم مالك هذا المنهج ومنزلة اتخاذ هذا الرسول الأمين أسوة حسنة في ملازمة الحياة الإسلامية لتكون الصورة البيانية واضحة ويكون السلوك العملي منضبطا ، فلا يجوز أن تمنح العصمة لأحد من المخلوقات إلا رسل الله الكرام فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول الخلفاء الراشدين وأقرب الصديقين إلى الله ورسوله يعلن عندما تولى الخلافة بإجماع المؤمنين : “أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت فلا طاعة لي عليهم” .