شمولية الإسلام وعموميته

المدينة ربيع الآخر 1404 / 24

إن شمول نظام الإسلام لجميع مجالات الحياة للإنسان وسلوكه وصف حقيقي ثابت للإسلام في كل ما يصدر عن الإنسان حكم خاص ، وهذا بخلاف المبادئ والنظم البشرية ، فإن الواحد منها له دائرته الخاصة التي ينظم شؤونها ولا شأن له فيها عدا ذلك ، وعلى هذا فلا يمكن للمسلم أن يقول “إن هذا المجال أنظم أموري فيه كما أشاء بمعزل عن تنظيم الإسلام ” ولا يجوز للمسلم أبدا أن يسمح لغير نظام الإسلام أن ينظم أي جانب من جوانب حياته ، فإن فعل ذلك دخل في نطاق معنى قوله تعالى في القرآن الكريم :
أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، فما جزاء من يفعل منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون” (البقرة : 85) .

وتدخل في نطاق شمول نظام الإسلام لجميع مجالات الحياة البشرية ، أمور العقيدة والأخلاق والعبادات ، وعلاقات الأفراد فيما بينهم من أحكام الأسرة والمعاملات والقضاء والدعوى والمعاملات من الأجانب غير المسلمين المقيمين في دولة إسلامية ، وعلاقات الدولة الإسلامية بالدول الأخرى ، ونظام الحكم وقواعده وموارد الدولة ومصارفه ، وهكذا يشمل نظام الإسلام جميع حركات الإنسان وسكناته في جميع ظروفه وبيئاته وكيفياته وتصرفاته وعلاقاته ، بل ويشمل أحكام ومسائل وأخبار حياته الأخرى التي هي خير وأبقى .

المراد بعمومية الإسلام إنه جاء لعموم البشر كما أنه عموم في كل زمان وفي كل مكان ، ولهذا فهو باق لا يزول ولا يتغير ولا ينسخ ، وإلى هذه الصفة اللازمة اللاصقة للنظام ، لإسلام يشير القرآن الكريم :”قل يا أيها الناس إني رسول الله إيكم جميعا ” (الأعراف : 158) ، و “وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا” (سبأ : 28) ، و “وما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين”(الأحزاب : 40) ، وعموم النظام الإسلامي وبقاؤه في كل زمان ومكان وبيئة ومطابقته لكل منه يستلزم عقلا وعدلا أن تكون قواعده ومبادئه وجميع ما جاء به على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان ، ومستوى يبلغه المجتمع البشري ، ولا غرابة في ذلك لأن الخالق المدبر العليم الخبير هو الذي جعله عاما للناس في المكان والزمان ، وخاتما لجميع الشرائع ، ومستكملا لكل مصالح البشر ، وهو الذي قد أعلن بكل صراحة ووضوح ، “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”(المائدة : 3) .

وحين أن الإسلام ختم الشرائع السابقة كلها ، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين – مع هذا الكمال والتمام لا داعي لمجيء شريعة أخرى ، وحيث لا شريعة أخرى فلا رسول آخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، والواقع أن الإسلام يحقق مصالح العباد في العاجل والآجل يشير القرآن في تعليل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إذ قال :”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء : 107) .

وأن مصادر الأحكام الشرعية كلها مصادر ثابتة وحقة ، وهي كتاب الله والسنة النبوية ، وتتبعهما مصادر تبعية كالإجماع والاجتهاد بأنواعه المختلفة ، كالقياس والاستحسان والمصلحة المرسلة ، وهذه المصادر كلها قامت على معان وأوصاف وأسباب ثابتة صالحة لكل مجتمع فاضل مثالي بحيث لا يحدث شيء جديد إلا وللشريعة الإسلامية حكم فيه إما بالنص الصريح أو بالقياس الصحيح ، وبفضل هذه المقومات التي جعلت الإسلام نظاما عاما صالحا للجميع وفي جميع الأزمان والظروف لم يعد نظاما جاء لطائفة معينة أو لجنس خاص أو لفترة معينة من الزمن أو جيل خاص من البشر بل هو الدين الكامل والنعمة التامة من رب العالمين …