سبيل النجاة : الصبر والثبات

الخليج اليوم – قضايا إسلامية -1987 م

لقد بين القرآن الكريم القاعدة الأزلية الفطرية لمواجهة الصعاب وتغلب العقبات في شتى مجالات الحياة البشرية بتغيير بياني إعجازي بحيث لا يتسرب إلى فهم معانيه ووعي ومدلولاته الشك أو الغموض وأن هذه القاعدة العامة الهامة تقوم على عمودين وبينتين أو حجرين أساسيين وهما في مفهوم الإدارة الواعي والمنطق السليم الواقع : الثبات والصبر فيقول كتاب الله العلي الكبير هاديا ومرشدا من نور التاريخ الحق والحدث المحسوس حيث وقعت المواجهة الفعلية بين فئتين ، ولكل منهما الظروف وملابسات ورغبة الانتصار على الأخرى ومناشدة الوسائل المساعدة على الغلبة ونصرة جانبه في وجه الآخر ، وكانت تلك المواجهة أو التحديات المتنافسة بين قوى الحق التي يمثلها نبي الله داود ومعه الملك الصالح طالوت وبني جالوت وجنوده :”ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما شاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين” (البقرة : 250 – 252) .

وأن الله سبحانه وتعالى أرشد المؤمنين الصادقين في نور الآيات والبينات المذكورة إلى أن النصر على الباطل قد تحقق لفئة قليلة خائفة من فئة كثيرة بفضل الصبر والثبات اللذين أفرغهما رب العالمين على تلك الفئة القليلة استجابة لدعائها واتخاذها الأسباب اللازمة لهما وانهزمت الفئة الكثيرة المعتمدة على عددهم ومعداتهم فقط ، وجدير بالاعتبار في هذا المجال الإعجازي للبيان القرآني أن الصبر مقدمة الثبات وهو الذي يزود الأقدام المهتزة في وجه الشدائد والزلازل بطاقات تثبتها على الأرض والسيطرة على زلات الخطوات أما التيارات الجارفة فالصبر مصدر التزويد بالطاقة اللازمة – المعنوية والحسية – للثبات في ميادين المواجهة والمعركة ، وأن هذا الصبر وذاك الثبات أشد وأقوى سلاح ضد نزعات الوهن ومخاوف الفشل ووساوس الانهزام في النفوس كما أنه يرفع القوى المعنوية ويشحذ الهمم العالية في مضمار المواجهة مع القوى المادية الأقوى والأشد في ميزان القلة والكثرة كما لا كيفا وحسا لا معنى .

وينبغي أن يفهم المؤمنون المدركون لحقائق الأمور حسب القوانين الفطرية والنواميس الطبيعية أن الاعتبار الحقيقي بالكيف لا بالكم ، وأن التاريخ شاهد والواقع قاطع بأن معيار الفوز والنجاة في معركة الحياة كلها ، وفي جميع المجالات الحضارية والعلمية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية إنما هو الكيف أولا قبل كل شيئ ، وإلى هذه الحقيقة المرة يشير قوله تعالى :”كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين” (البقرة : 249) ، وأما الصبر والثبات فمن الصفات الكيفية التي تتحلى بها النفوس الظافرة وتتخلى عنها النفوس الخاسرة ، وهما أي الصبر والثبات مرقاة النجاة والعزة في الحياة .

ويقول الشاعر الحكيم :

لكل إلى شأو العلى حركات لكن عزيز في الأنام ثبات