الإصلاح بتغيير النفوس لا بتغير الرؤوس

الخليج اليوم – قضايا إسلامية -1987 م

من المعلوم فطريا والمعروف شرعيا أن النفس الإنسانية إنما هي مدار الصلاح والفساد ، ومعيار الأعمال الصالحة والأفعال الخبيثة .

وهذه القاعدة الفطرية العامة تنطبق على شؤون الأفراد والمجتمع على السواء بمعنى أن الفرد إن كانت نفسه صالحة توعز بالخير وتطمئن إليه وتحذر من الشر وتكرهه يكون ذلك الفرد صالحا في العرف العام ومصدرا للخير ، وإذا كانت نفسه أمارة بالسوء وتواقة إلى الشر وتكرهه ، يكون ذلك الفرد صالحا في العرف العام ومصدرا للخير ، وإذا كانت نفسه أمارة بالسوء وتواقة إلى الشر فيكون صاحبها مصدر الفساد ومبغوضا عند العباد ذوي الطباع المستقيمة .

وأن هذه القاعدة الفردية تنطبق تماما بنفس المعايير على شؤون المجتمع فإذا كان يتكون من أفراد ذوي نفوس صالحة يكون مجتمعا صالحا بصفة عامة ويجني ثمارا صالحة وهانئة ويعيش في حالة مطمئنة بعيدة عن بؤرة المفاسد والمهالك ، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا القانون الفطري السليم ، بكل جلاء ووضوح ، لكي يكون الناس على بينة من هذه القاعدة الذهبية الفطرية لصلاح المجتمع الإنساني أو فساده ، وكما أن القائمين بإصلاح القوم يجب أن ينتبه إليها ، ويتخذها أساسا لبرامجهم الإصلاحية وهدفا لمساعيهم الجليلة .

ودعنا الآن نقوم بتطواف سرريع وواع حول هذا القانون الإلهي الذي لا يتغير ولا يتبدل وهو الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وهو قانون حتمية التغيير النفسي للتغيير الوضعي الراهن لكل قوم ، كما أن هذا القانون يعتبر الجمود الفكري والتقليدي الحضري والتبعية الشكلية والعصبية الجاهلية من العنصرية والقومية والجنسية واللونية ، عقبة كأود في سبيل التقدم الحضاري والرقي الفكري وأخيرا وليس آخرا في الإصلاح الاجتماعي ، وإلى هذا القانون يشير القرآن الكريم فيقول :”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإن الله سميع عليم” (الأنفال : 53) .

وقد وضع من هذه الإرشادات الإلهية الحكيمة أمران أساسيان في حياة المجتمع الإنساني وهما الهدفان الرئيسيان لكل من ينصب نفسه مصلحا لقومه أو أمته وداعيا إلى الإصلاح الاجتماعي أو الثقافي أو الديني بصفة خاصة وأولهما : أن التغيير الذي ينبغي الاستهداف إليه هو تعيير الأوضاع لا الأشخاص ، لأن تغيير أو تبديل يعض الأشخاص من أرقام المجتمع السكاني ، لن يؤدي إلى تغيير الوضع السائد في ذلك المجتمع ، ما لم تتغير ذهنية أفراده وطريقة نظام حياتهم اتجاهاتهم الفكرية نحو الحياة وشؤونها .

وثانيهما : أن هذا التغير الجوهري الجذري إنما يتم بإصلاح النفوس وما فيها من عقيدة ونية واستقامة بدون نفاق ورياء وكبر ومداهنة جوفاء ، وتأكيدا على هذين الأمرين جاء الإعجاز القرآني ينص على الجملة الحكيمة الإلهية :”ما بأنفسهم” لأن مدار الإصلاح والتغيير والتعديل إنما هو النفوس الإنسانية وليس الأجساد البشرية ، وإن في التاريخ لعبرة لأولي الألباب .