رمضان يؤهل المسلمين لحمل الرسالة الكبرى

الخليج اليوم – قضايا إسلامية السبت 18-أبريل-1987 م

يحل شهر رمضان هذا العام على أمة الإسلام في العصر الحديث وهي تمر بحافة منعطف خطير في تاريخها المديد حيث يعيش أبناؤها جماعات وفرادى وسط صراعات عنيفة وعديدة نتيجة لأضاليل وأساليب أعداء العرب والمسلمين لتشتيت شملهم وتفريق صفوفهم وتفكيك أوصالهم وتقسيم أوطانهم ومن أجل هذا وذاك يجب على كل فرد وجماعة وهيئة تعني بشؤون هذه الأمة وبمصالحها وحاضرها ومستقبلها في كل مكان أن تتخذ هذه الفرصة السانحة وهذه المناسبة الكبرى المباركة نقطة انطلاق نحو تدارك أخطاء الماضي والخروج من المأزق الحالي .

إن رمضان يؤهل المسلمين أهلا لحمل الرسالة المحمدية الخالدة إلى شعوب العالم ، بعد أن وطد في نفوسهم معاني الحق والعدل ، ومعاني الخلق الكريم والسلوك القويم ، ومعاني الأخوة الإنسانية والعاطفة القلبية ، وبهذه الصفات يكون المسلمون في الثبات على الحق والدعوة إليه والتخلق به ، وعندما يكون المجتمع الإسلامي مسلحا بسمو النفس ، وشرف الهدف ونبل الغاية وإشراقة الروح وهداية القلب سيصبح خليقا للانتماء إلى رسول الحق وكتاب الحق وهدى الحق ، وبالتالي يكون جديرا بأن يكون خير أمة أخرجت للناس حيث تقود الناس إلى الخير والسلام ، وهكذا يعتبر شهر رمضان موسم تدريب وإعداد النفوس القوية لصافية لحمل دعوة القرآن إلى آفاق الدنيا في مختلف الظروف والبيئات ، وإلى هذا الارتباط الوثيق الخفي والجلي بين ذكرى نزول القرآن منهجا خالدا للبشر جمعاء وبين فريضة الصيام على المؤمنين في هذا الشهر الذي بدأت فيه صلة السماء بالأرض أشار القرآن في سياق هذه الفرضية والحكمة فيها إذ قال :”شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس . . فمن شهد منكم الشهر فليصمه” (البقرة : 185) .فهناك حلقات ثلاث مترابطة ومتكاملة في هذه الآية الكريمة التي هي في غاية الإعجاز والإيعاز فهي نزول القرآن وكونه هدى وفرقان للناس جميعا وفرضه الصيام على أتباع هذا الكتاب وأمة خاتم الأنبياء الذي أنزل عليه لإبلاغه إلى كافة الثقلين ، فيجب أن يكون هذا الشهر مظهرا حيا للمنهج القرآني .

فالصيام إنما هو وقاية للأفراد والصائمين المؤمنين من كل خلق ذميم يؤذي الإنسان فإنه بالتالي يحمي المجتمع الذي يتكون من مثل هؤلاء الأفراد من أنواع الفساد والفتن والفوضى ويستتب بين صفوفه الوئام والأمن والنظام ، وهذا معنى قوله تعالى في بيان حكمة الصيام “لعلكم تتقون” أي بصبغة الجمع الذي يدل على أن فائدته تعود على المجتمع بأجمعه وتتعدى منفعته دائرة الحدود والشخصية لكل فرد يقوم بهذا الواجب وإشارة إلى هذه الغاية القصوى الشاملة العامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد فليقل : إني صائم” (متفق عليه) . ثم قال :”من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” (البخاري) .

وتسمو نفس الصائم في رمضان ويحس بحاجات ومطالب المجتمع وتتوطد صلة القربى وصلة الحوار وصلة الصداقة وصلة الزمالة ويجتمع الجميع على مائدة الإفطار ويتناولون جميعا طعام الإفطار شاكرين نعمه وذاكرين عظمته ومتبادلين كلمات المحبة والأخوة ثم ينصرفون من ذلك الجو الأخوي الودي إلى الجوامع المصليات لأداء صلاة العشاء والتراويح جماعة حيث تتجلى فيها أيضا مظاهر الألفة والوحدة ، وكان رمضان حقا وواقعا شهر التذكير بالصلة الوثيقة بين المؤمنين ، لا طلبا لمصلحة ذاتية وشهرة وقتية أو بمداهشة جوفاء أو مجاملة خرقاء كما تجري العادات في الحفلات والاجتماعات الرسمية والمصلحية ذات المآرب الشخصية ، ولكن هذه الاجتماعات التي ذكرناها في مختلف مناسبات رمضان إنما هي ابتغاء لوجه الله وطلب مرضاته وعلى الأقل يجب أن تكون كذلك وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى .

تطهير النفس من الرياء والنفاق

ومن أهم ميزات الصيام أنه عبادة مستورة بمعنى أنه سر بين الإنسان وربه ولا يطلع عليه أحد مثل العبادات البدنية والمالية الأخرى كالصلاة والزكاة والحج ، وأن مجال الرياء والخداع فيه ضئيل جدا ، وأن الله وحده هو المطلع على صدق نيته وما في قلبه من الباعث على القيام ، بهذه العبادة ، وهكذا يساعد الصيام المؤمن الصائم على تعويد نفسه على أعظم وأكبر خلق إسلامي وهو الإخلاص وكذلك التزام الصدق في قوله وعمله .