شعبان شهر الاستعداد برمضان

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 12-أبريل-1986 م
لقد حل شهر شعبان مبشرا يقرب حلول شهر رمضان الذي هو شهر العبادة والقرآن وسيد الشهور والأيام على الإطلاق عند الله وعند الملائكة وعند المؤمنين كافة في مشارق الأرض ومغاربها ، إذ اختاره خالف البشر والقوي الموسم المناسب لبدء الصلة بين السماء والأرض بإنزال القرآن على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فلا بد من استمرار هذه الصلة ، في نور الهدى والفرقان حيث قال تعالى : “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” (البقرة : 185) ، وأنه الشهر الذي اختاره الله تعالى من بين شهور السنة جميعا لأن تتحقق من خلاله الهداية الإلهية لمسيرة في نور وأمان ورشاد ونجاح .

موقف شعبان بين الشهرين الفاضلين

وجدير بالاعتبار أن شهر شعبان يقع بين شهرين فاضلين لهما مكانة كبرى وميزة عظمى في تاريخ الإسلام والمسلمين بل وتاريخ الإنسانية جمعاء فأما الشهر الذي سبقه فهو رجب المعظم أحد الأشهر الحرم وهر الشهر الذي حصلت فيه واقعة الإسراء والمعراج التي كانت نقطة تحول خطير وهام في تاريخ الكون كله حيث أسرى رب الكائنات بعبده المصطفى وخاتم رسله ، ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله ليريه من آياته الكبرى ومن هناك عرج به إلى السماء العلى ، وكانت حادثة الإسراء والمعراج مكرمة عظيمة وخالدة لرسول الثقلين وميزة خاصة ميز الله تعالى بها خاتم الأنبياء والرسل الذي أكمل به خلقات الرسالات السماوية وأتم نعمته على خلقه إذا أعلن : “اليوم أكلت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” (المائدة : 3) .

وأما الشهر الذي سيلحقه فهو سيد الشهور والأيام ، إلا وهو شهر رمضان المبارك ، وإذا كان رجب شهر أعظم الأحداث وأعجب المعجزات وأندر الكرامات فإن رمضان شهر أعظم الفتوحات وأهم الانتصارات من فتح مكة وغزوة بدرالكبرى وغيرهما ، وكفى لشعبان فخرا وعظمة أنه يأخذ أثرا خالدا وميزةكبرى من سابقه ولاحقه ، وهو بصفة عامة شهر الإعداد والتهيئة والتضحية لاستقبال رمضان المبارك .

من فضائل شعبان

وجاء في الأثر النبوي أنه قال : “ترفع أعمال العباد في شهر شعبان إلى رب العالمين وأحب أن يدفع عملي فيه صائما ” ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : “لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان ، وفي رواية كان يصوم شعبان إلا قليلا” (متفق عليه) .وكان هدف الإكثار من الصوم في شعبان هو الإعداد النفسي والعملي لاستقبال رمضان الذي هو شهر العبادة والقرآن وجميع أصناف الخيرات والتضحيات وجلائل الأعمال .

وكما يكون لبعض الأمكنة ميزات وخصائص ومناسبات يذكر بها ، يكون لبعض الأزمنة ميزات ومناسبات تعاد ذكرياتها وعظاتها ، فإن شهر شعبان بصفة كونه الختام السنوي لرفع الأعمال السنوية حيث انتهت فيه مرحلة من المراحل العملية للإنسان من رمضان إلى رمضان ، فتبدأ مرحلة جديدة من الجد والاجتهاد والتضحية من قدوم رمضان من جديد ، يمكن أن يطلق عليه شهر المراجعة السنوية لصالح الأعمال ويكثر فيه المؤمنون من الصوم والعبادات والخيرات ليكون ختام السنة المنصرمة طيبا كما يكون افتتاح السنة المقبلة على أتم الاستعداد والاستذكار .

مستحدثات ليلة النصف من شعبان

أما العبادات من حيث العبادات فمطلوبة ومثابة من عند الله تعلى ، ولكي كيفياتها وهيئاتها وصفاتها تحتاج إلى دليل شرعي من الكتاب والسنة لأنه قد جاء منع صريح وشديد من أحداث أي شيئ في الدين باسم الدين وبحكم العباد إلا بأمر من الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم : “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه (من عمل عملا ليس عليه أمرنا ) فهو رد” (رواه مسلم) .

وأن الأدعية والأذكار العامة فإنها أيضا مطلوبة في أي وقت وفي أي مكان وأما تخصيص وقت خاص لها وهيئة خاصة بقصد إعطائها صفة دينية باسم العبادة فيحتاج إلى دليل شرعي ، وأن الاحتفالات بليلة النصف من شهر شعبان مع تخصيص أدعية وأذكار فيها وتخصيص صوم في ذلك اليوم باسم صوم نصف شعبان وإقامة الموائد والحلقات الذكرية وغيرها بعد خير القرون ، إنما هي مستحدثات وبدعة ينطبق عليها حكم محدثات الأمور المنهي عنها في نص الحديث النبوي في حالة إعطائها صفة العبادة والأمور الدينية ، وقال أيضا : “وشر الأمور محدثاتها وكل بدعو ضلالة” (رواه مسلم) .

رد شبهة عن ليلة مباركة

لقد جاء في سورة الدخان قوله تعالى : ” إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم” (الدخان : 4) . فيزعم البعض إنها في ليلة النصف من شعبان ، وهذا الزعم يناقض الواقع والعقل لأن ثلاث آيات قد وردت في ذكر فضل الليلة التي بدأت فيها نزول القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والرسل فالأولى : “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن …” (البقرة : 185) والثانية : “إنا أنزلناه في ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ” (القدر : 3) . والثالثة : “أنزلناه في ليلة مباركة” (الدخان : 4) . والمقصود في الآيات الثلاثة هو ليلة بدء نزول القرآن فلا يمكن أن تكون عقلا وشرعا إلا ليلة في رمضان وهي ليلة القدر وهي الليلة المبارمة .