رمضان شهر الوقاية من كل غواية

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 22-أبريل-1987 م

حين أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالصيام في رمضان ذكر حكمته وفائدته وغايته القصوى بكلمة واحدة موجزة ومعجزة في كتابه الحكيم : “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” (البقرة : 183) . وقد تبين من جملة “لعلكم تتقون” أن الحكمة من تشريع الصيام هي التقوى والارتقاء ، وأن كلمة “تتقون” بصيغة فهل المضارع تدل على التجدد والاستمرار والفعلية والفاعلية كما أن حكمة الصيام تدو مع كل ما يشتق من هذه الكلمة المعجزة لفظا ومعنى وخلقا وسسيرة وعادة ومنهجا في الحياة وأما “التقوى” فهو كل فعل وقول وخلق يحبه الله تعالى ويثاب صاحبه عليه في الدنيا والآخرة وأن “الاتقاء” المشتق منها يعني الوقاية من كل شر وخطأ وفساد في أي مجال كان من مجالات الحياة وفي مقدمتها الخلق الذميم الذي يؤذي نفسه أو الآخرين .

التذكير بالصلة الاجتماعية بين الناس

يذكر الإنسان بصلته بمجتمعه الذي يعيش فيه ، لأن الصائم حينما يفطر يقول : “اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت” ، وهنا يتذكر ويعترف بأن الرزق من الله تعالى وأنه لا يملك شيئا إلا ما أعطاه الله ومنحه بمحض فضله وكرمه وأن هذا الدعاء يذكر الصائم صلته بالله أولا ثم صلته بأمته كما يتذكر بالتالي حقوق الفقراء والمساكين وخاصة الأقارب منهم والجيران ، وهكذا يذكر أنه من المجتمع ويشعر بجوعه وفقره ومتاعبه ومشاكله ، ومن هنا تكون نفس الصائم أسمى النفوس صفاء وعطاء ويتذكر حاجات الآخرين وكان النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود الناس وكان سخاؤه وجوده كالريح المرسلة كما جاء وفي هذه الرواية الصحيحة :روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ” (متفق عليه) .

ومن آداب الصائم أن يترك النطق بالرفث والفسق والسب والغيبة والنميمة وغيرها من الأخلاق البذيئة التي تجرح شعور الآخرين فإن الامتناع عنها بصورة قاطعة وحاسمة تتم تحت قوة نفوذ الصيام ، ولا شك في أن هذا الامتناع الحاسم ، سوف يترك فائدة جماعية في صف المجتمع وينشر فيه شعور بالراحة والطمأنينة ، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : “إنما الصوم جنة” أي وقاية من كل خلق ذميم فإنه يعود الصائم ليلا ونهارا ، سرا وجهارا ، على صلته بالله وإطلاعه على علانيته وأسراره ، وسلطانه على قلبه ونعمته التي لا تحصى ينعم بها هو وأسرته ويذكر أيضا أنه عبد محتاج إلى رزقه وتوفيقه ولطفه فإذا استقرت هذه الفكرة في ذهنه فإنه يخجل من الكذب والظلم والغش والخيانة والسرقة والغيبة والنميمة والإيذاء والعدوان على الناس في أعراضهم وأموالهم وحقوقهم ، وأن التخلي عن الخصال الذميمة والتحلي بالخصال الحميدة بنية صادقة خالصا لوجه الله تعالى بدون أي ضغط خارجي ولا لمداهنة أو لمجاملة فإنه يطهر نفسه من داء خداع الآخرين والرياء معهم فيلزم لسانه الصدق وقلبه الإخلاص وجوارحه الحق والعدل ، حتى يكون مستعدا لمقابلة الإساءة بالحسنى البذاءة بالمصابرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاه عن يقابل الإساءة بالإساءة هو صائم ، وأن لا يرد على الشتيمة بالشتيمة فقال :”فإن شاتمه أحد أو خاصمه فليقل : إني صائم” ، معناه الحقيقي : إنني لست في حالة تسمح لي المخاصمة أو المشاتمة وإنني الآن تحت رقابة شديدة ودقيقة ف ظل عبادة سرية بيني وبين ربي وعندي الآن سواء المدح والثناء والعتاب والسباب فلا أخاصم أحدا ولا أوذي أحدا .

ويا لها من أخلاق فاضلة ورقابة محكمة !.

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” (الزلزلة : 8) .

من الهدي النبوي

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لا يدخل الجنة نمام” (متفق عليه) .

من الأدعية المأثورة

“ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب” (إبراهيم : 41) .