المنهج الإسلامي في تربية الشباب

المدينة جماد الأول 1400/15

إن من أهم العوامل في تكوين شخصية الشباب في نظر الإسلام : تقوية الطاقة الروحية والشجاعة الأدبية فيه وأما التدين فأساسه الإيمان بخالق الكون وقضائه وقدره ، والإيمان بالآخرة والحياة الأخرى ، فإن هذه التربية تربي فيه الاعتماد في الشدائد على الله سبحانه وتعالى ، فتجعل منه رجلا مظمئن القلب ، ساكن النفس يقبل على عمله في ثقة ويعتمد في نجاحه بعد إعداد الوسائل والعمل له على معونة الله عز وجل وتوفيقه ، ويرضى بنتيجته على أي حال .

والقوة الروحية والتدين والإيمان بالله يغرس في الشباب كثيرا من الفضائل الشخصية والاجتماعية التي تجعل منه عاملا في بناء أمته والنهوض بها ودفعها إلى مراتب العزة والسؤدد لتتبوأ مكانتها اللائقة بها بين الأمم ، وتغرس في نفسه الشجاعة والصدق والإخلاص والبر بالضعفاء وإغاثة الملهوفين ، والإيمان بالفكرة الصحيحة والدفاع عنها بكل عزيز وغال لكي يغرس في نفسه احترام حقوق الغير والمحافظة على أموالهم وأعراضهم ، وكذلك لا بد من الإعداد العلمي والدراسات الشخصية والاختبارات العلمية للأحداث والشخصيات ليستطيع بذلك كله أن يواجه الحياة وهو مسلم يصير بأحوالها ، خبير بشؤونها ، وإذا نظرنا إلى عصور الإسلام الأولى ، نجد أن الشباب المسلم ، فتيانه وفتياته ، لعبوا دورا هاما في نشر الدعوة الإسلامية ورفع ألويتها وإنهاض الأمة المحمدية ، ونجد أمثلة رائعة لجهاد الشباب وإيمانه بفكرته واستعذابه الألم في سبيل رفعتها ونجاحها ، كل هذا وذاك بفضل التعاليم القرآنية والتربية النبوية في إعداد الشباب إعدادا صالحا كاملا ماديا وروحيا ، ولما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة أمر عليا رضي الله عنه أن ينام في فراشه بدلا منه ليخدع قريشا عنه ، فقبل على الشاب وهو يعلم أن القتل قاب قوسين منه أو أدنى ولكنه قبل ذلك بنفس راضية مطمئنة مضحيا بها في سبيل الله ورسوله فنجا النبي صلى الله عليه وسلم وانتشرت الدعوة الإسلامية .

إسلام فاطمة بين الخطاب

وكذلك أسلمت فاطمة بنت الخطاب قبل إسلام أخيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي دور العشرين ، كانت تكتم إسلامها منه لشدته ، فلما علم بذلك دخل عليها وقال ” بلغني أنك صبأت” ثم ضربها ووثب على زوجها فضرب به الأرض ، وجلس على صدره ، فجاءت تمنعه منه فشج وجهها وسال دمها فلما رأت الدم بكت وقالت له :”أتضربني يا عدو الله لأني أوحد الله ، لقد أسلمنا على رغم أنفك يا ابن الخطاب ، فما كنت فاعلا فافعل ” وفكر عمر فيما فعل وندم عليه وما زال به وتفكيره حتى قاده إلى حظيرة الإسلام ، وكان إسلامه عزة للإسلام ، وخطوة مشرقة في تاريخه – فحسبنا هذان المثالان دليلا على قدرة تعاليم الإسلام على إعداد الشباب إعدادا صالحا ، وأرى أنه من المناسب في هذا المقام أن أنقل إلى القراء الكرام نص رأى الشاعر الدكتور محمد إقبال في الشباب المسلم كما يجب أن يكون فيقول “المسلم المثالي هو الذي يمتاز بين أهل الشك والظن بإيمانه وعقيدته ، وبين أهل الجبن والخوف بشجاعته وقوته الروحية ، وبين عباد الرجال والأموال والأصنام بتوحيده الخالص ، وبين عباد الأوطان والألوان والشعوب بآفاقيته وإنسانيته ، وبين عباد الشهوات والأهواء والمنافع الذاتية بتجرده وثورته على موازين المجتمع الزائفة وقيم الأشياء الحقيرة ، وبين أهل الآثرة والأنانية بزهده وإيثاره وكرامة نفسه ، ويعيش برسالته ولرسالته ، ذلك المسلم الحق الذي مهما اختلفت الأوضاع وتطورت الحياة لا يزال يؤمن بالحقيقة الثابتة التي لا تتغير ولا تتحول ، هذا الشاب المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ، بل خلق ليوجه العالم ويملي عليه إرادته لأنه صاحب الرسالة وحامل العلم اليقين فليس مقامه مقام التقليد والتبعية بل مقام الإمامة والقيادة : (رسالة شاعر الإسلام دكتور إقبال)

مقاومة أهواء النفوس

إن النفس الإنسانية لمطبوعة على أصناف من اللؤم والقبح ومستعدة لتقبل ما يوحى به هواها وشهواتها ، لهذا نجد أن أول أهدافها تطهير النفس إذا تصفحنا التشريعات السماوية إن أول أهدافها تطهير النفس من أهوائها وتنظيفها من نزعات الشر لأن المجتمع لا يتكون إلا بأفراد قلة ، فلار يصبح المجتمع صالحا إلا إذا كان أفراده صالحين ، والفرد لا يكون صالحا حتى يكون أهم أهدافه وأسمى أغراضه العدل والإنصاف وحب الخير للآخرين ، والرغبة في إنهاض الأمة والمساعدة على الحياة الكريمة لبلاده ولقومه وللنوع الإنساني كله .

فإذا نظرنا إلى أحوال المجتمع في شتى بقاع الأرض الآن نجد أن الأهواء الشخصية والأغراض الذاتية تسيطر على كل شأن من الشؤون وتغلب على جميع الأمور الاجتماعية والدولية ، هذا هو السبب الوحيد لتفشي الفساد وتقطع أواصر المحبة والإخلاص بين بني آدم وتكثر الأحقاد والتطاحن بين الحكومات وشعوبها وبين الرؤساء ومرءوسيهم ، وكم رأينا في التاريخ القديم والحديث – ولا تزال نرى – بأعيننا ونسمع بآذاننا ونقرأ صباحا ومساء أن الفوضى والفساد يتسربان إلى كل أمة بمقدار ما تسود فيها أهوائها وتتحكم فيها شهوات بعض الأفراد وتخضع لنوازع الدنيا ولا تسمح لها لتنمية الطاقة الروحية والإنسانية في أفرادها وإما الهوى الذي يدفع النفس إلى الغواية والشر والظلم والاعتداء ، والهوى الذي يدفعها إلى أن تجانب العدل والإنصاف في الحكم وفي المعاملات .

ولما قيل لعمر بن عبد العزيز : أي الجهاد أفضل ؟ قال : جهاد هواك ، فإن الشجاع الباسل قد يتغلب على أقرانه ولكنه لا يستطيع أن يرد هوى من هوى نفسه ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” .