العمل الهادئ خير من العمل الصارخ

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 30-نوفمبر -1986 م

إن الهدوء والسكينة والطمانينة والتأني والتروي وما يشابهه من المعاني السامية النبيلة من الخصال الحميدة التي تتطابق تماما مع النواميس الفطرية والقوانين الطبيعية في الكون والكائنات كلها وهي نفس الأخلاق الفاضلة والأساليب العادلة التي ارتضى الله تعالى بها لخالقه ، ودعا إليها رسله الكرام في جميع الأزمنة والأمكنة لأن الخصال المضادة لها ، من التطرف والتدهور والطيش والعجلة والتعجل والتسرع وكذلك الصراخ والعويل والضوضاء والصياح ، من الصفات الخارجة عن حدود التوازن المطلوب ، والنظام الذي وضعه خالق الكون ورب العالمين لتنظيم أموره وتدبير شؤونه ففيه نور وهداية لكافة البشر لأن تجاوز هذه الحدود والاعتداء عليها لن تؤدي إلى تحقيق حياة هادئة موزونة في هذا العالم كما أنه يجلب على صاحبه الاضطراب بل الدمار لأنه خرج عن نظام الكون وتجاوز حدود الأمن والأمان .

وتتجلى لكل إنسان عاقل ذي ذوق سليم ، هذه الحقائق من صفحات كتاب الكون المختوم وكذلك آيات من كتاب الله المرقوم ، وجدير بالاعتبار والاتعاظ في هذا المقام ذلك الدرس الإلهي للإنسان في كل مجال من مجالات حياته في هذا الكون ، وهو أن الخالق البارئ سبحانه وتعالى قادر على إيجاد وخلق أي شيئ بكلمة واحدة وفي لحظة واحدة فقال : “إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون” (يس) . وهو خالق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وهو الذي خلق السماء والأرض والشمس والقمر والنجم ، ووضع لها ميزان الدوران والحسبان على نظام معين خاص ولم يتخذ طريقة التدرج والتمهل بمحض فضله وكرمه ، لإرشاد عباده إلى اتباع نظام التدرج ، والتمهل والتروي والتدبر في شؤون حياتهم .

وهذه هي تلك الآيات البينات : “الله الذذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش” (السجدة : 4) . ثم قال : “الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان” (الرحمن : 8) . ومن الآيات التي تحذر الناس من التعجل في اتخاذ القرارات وتحقيق الرغبات وتطبيق الأمور والبرامج في مجالات الحياة ، ومن التطرف في إصدار الأحكام على مصائر الناس وأعمالهم وأفكارهم وآرائهم ومذاهبهم :

1 – “إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلون الذين هم في صلاتهم دائمون” (المعارج : 19) .

2 – “خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون ” (الأنبياء : 37) .

3 – “ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم” (يونس : 11) .

4 – “فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل إليهم ” (الأحقاف : 35) .

5 – “ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه” (طه : 114) .

6 – “ولا تحرك به لسانك لتعجل به” (القيامة :16) .

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكل صراحة ووضوح وقوة وبيان الالتزام بنظام التأني والهدوء واللين والرفق في كل الأعمال بدون تهريج وتهويل .

ومن جوامع كلمه النيرة لكل من له قلب وألقى السمع وهو بصير : إن الله يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يعطي على سواه” (رواه مسلم) . وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه : “إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناءة” (رواه مسلم) . وقوله كذلك : “أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع (الإٍسراع) ” (متفق عليه) . وقال ثلاث مرات :”هلك المتنطعون” (وهم المبالغون في الأمور) (مسلم) . وهكذا ينبغي أن نفهم أن العجلة أو الطفرة أو الشدة في أي عمل لا تضمن سلامته من الزلات وغايته من الهفوات .

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين” (الفتح : 26) .

من الهدي النبوي

“فإن خيركم أحسنكم قضاء” (متفق عليه) .

من الأدعية المأثورة

عند الفراغ من الطعام والشراب : “الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا من المسلمين” (أبو داود ، والترمذي).