المسلمون تركوا قيم الإسلام فضعفوا والأوربيون أخذوا فنهضوا

الخليج اليوم – قضايا إسلامية السبت 22-نوفمبر -1986 م

إن التحديد الدقيق أو التعريف الموجز للمنظور الإسلامي ومفهومه هو نظام إلهي لتدبير الكائن الإنساني بل والكون كله بقوانين فطرية ونواميس طبيعية مطابقة لكل زمان ومكان وبيئة بحيث لا تتخلف نتائجها وآثارها ومظاهرها عند تطبيق أنظمتها وتشغيل أجزاء مبادئها ، علما بأن آثارها مترتبة ومرتبطة بقواعد ذلك النظام الكلي لا بمظاهرها وأسمائها ورموزها ، ولا تتأثر تلك القواعد ودعائمها باختلافات شكلية أو رسمية ، ومن هذا المنطلق الفطري للنظام الإسلامي الإلهي الكوني العام يجب أن نفهم جيدا أن قيمه ومبادئه وتعاليمه تعطي ثمارها وتقدم نتاجها الموعودة المتوقعة حيثما تطبق وأينما يجري العمل بها لأنها قيم إلهية فطرية كونية ومبادئ عامة وتعاليم شاملة من رب الكائنات لكل الكائنات لا لشعب خاص ولا لجنس خاص ، كما أنها ليست مرتبطة لمكان خاص أو زمان خاص وإلى هذه الميزة التي تمتاز القيم الإسلامية يشير القرآن الكريم إذ قال : “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” فمادام الإسلام هو الدين القيم الذي هو الفطرة التي لا تتبدل ولا تتغير فإن نتائج اتباع وتطبيق مبادئه وقيمه تدور مع جهة الاتباع والتطبيق كما أن تلك النتائج تتفاوت وتتغاير حسب كيف وكم التطبيق ، وحسب الوجود والعدم ، وبعبارة أوضح أو مجموعة من الأفراد أو شعبا أو أمة قد اقتطفت ثمار ذلك التطبيق حينا من الدهر ثم تخلت عن التطبيق وتهاونت عن التمسك بتلك القيم أو المبادئ فيما بعد ، فتصير محرومة عنها ولا ينفعها التطبل بالتاريخ والتشدق بالماضي ولا ينفعها الانتماء أو الاتصاف بالأسماء والألقاب والشعارات الجوفاء .

ويبين القرآن إنسانية القيم الإسلامية وفطريتها العامة بصرف النظر عن الانتماءات القومية أو الجنسية أو “الاسمية” و “الشعارية” ، وطبيعتها الكونية الشاملة فقال :”يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم” (النساء : 173) . ثم قال : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” ثم أشار إلى دوران العمل بمبادئ تلك الهداية الإلهية بمقتضى الفطرة الكونية وبإرادة رب البشرية فقال : “وتلك الأيام نداولها بين الناس” (آل عمران : 140) . وفي هذه الآية الإلهية إشارة خفية لكل من له قلب سليم وعقل واع ، إلى أن تطورات الأمم وتقلبات الزمن وتغيرات مراكز الحضارات وتنقلات موازين القوى على وجه من موجبات الفطرة حسب مشيئة رب الكون وهو الخلاق العليم وفعال لما يريد ولا يسأل عما يفعل وهم يسألوه وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.

والتاريخ شاهد والعقل مصدق والبرهان ساطع ، والدليل واضح والواقع ماثل أمام أعيننا ، بأن طائفة من الناس حينما كانوا يتمسكون بقيم الإسلام ويعملون بها ويسيرون عليها في رحلة الحياة جنوا ثمارها ونهضوا وتقدموا وفازوا وسادوا في الدنيا ، وعندما تخلوا عنها وتساهلوا فيها وتغافلوا منها ضعفوا وضاعوا وتخلفوا واستذلوا في الدنيا ، ففي مقدمة القيم الإسلامية الأمانة في المعاملات وتقدير قيمة الأوقات ، ومقاومة الكسل والخنوع ، ومحاربة الفوضى وسفاسف الأمور ، واليقظة والانتباه نحو مدلهمات الزمن ومكائد الخصوم والابتعاد عن الاغترار بالعيش الناعم ، والبحث عن العلم والحكمة والمعرفة حيثما وجدت كما حث ونبه رسول الإسلام إذ قال : “الحكمة ضالة المؤمن” و “اطلبوا العلم ولو بالصين” . وبدأ الأوربيون بيقظة وحماس وانتباه القيم التي تركها المسلمون بغفلة وغرور واغترار فضعف المسلمون في كل مكان وميدان ونهض الأوربيون في كل مجال من مجالات الحياة الدنيا وفي كل شأن من شؤون الإنسان الناهض ، وقد خفي على العالم ، مع تعدد المصادر وتنوع المراجع ، وكثرة الأدلة العقلية والنقلية في كل الجهات واللغات والفئات ، أن المنبع الأول الأصلي لنهضة أوروبا وحضارتها هو التحلي بقيم الإسلام الحقة وأن المزلق الأول لنكسة العالم الإٍسلامي وحضارته ومكانته هو التخلي عن قيم الإسلام الحقة والاكتفاء بالتغني بأمجاد الماضي ، والتسلي بمكسرات ومنثورات .

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم” (محمد : 38) .

من الهدي النبوي

“فإن ماله ما قدم ، ومال وارثه ما أخر” (رواه البخاري) .

من الأدعية المأثورة

“اللهم إني أعوذ بك من الخيانة ، فإنها بئست البطانة” (أبو داود) .