العمل الصالح والسلوك القويم

الخليج اليوم – قضايا انسانية – 8-10-1985 م

من الحقائق الثابتة أن الإيمان لمنشأ والعمل الصالح لمظهر لذلك الإيمان ، ولا يوجد المظهر بدون المنشأ ، وكذلك يلزم مظهر لكل منشأ . ومن هنا لا نجد آية من القرآن تتحدث عن الإيمان والعقيدة إلا وهي مقترنة بالعمل الصالح . وأما كلمة العمل الصالح كلمة جامعة شاملة لمعان كثيرة ومن مزايا عديدة ، وحقائق جمة . وقد صرح القرآن الكريم والأحاديث النبوية في عدة مواضع ، بأن الإيمان وحدة لا يكفي لنيل الفوز والنجاح في الدارين والفوز بمرضاة الله تعالى ، ولإقرار الأمن والطمأنينة في العالم ولكن لا بد مع الإيمان العمل الصالح .

أنواع العمل الصالح

إن العمل الصالح يشمل كل معانيه ومظاهرة ، العمل الصالح لله عز وجل ، ولنفسك ولوالديك ولزوجك ولأولادك ولأقربائك ولقومك ولوطنك وللعالم الإنساني كله ، لأن الأعمال الصالحة لازمة للفوز والسعادة والاستقرار في جميع مرافق الحياة البشرية ، وواجبة لإقامة العدالة الإنسانية في الجنس البشري ، ولنشر العدالة الاجتماعية بين طبقات الأمة على اختلاف مستوياتها في شتى مجالات الحياة بمقتضيات النواميس الطبيعية .

وقد حصر دستور الإسلام ، القرآن الكريم ، أسباب النجاة والفوز في الدارين ، في أربعة أمور متلازمة متكاملة ومترابطة روهي كما وردت في سورة جامعة وشاملة وقصيرة الكلمات وعظيمة المعاني ، لكل مكان وزمان وظروف ، كما يدل عليه اسمها “العصر” …

“والعصر إن الإنسان لفي خسر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر “.

وأما الأمر الأول فهو الإيمان ، وبه توضع القاعدة الأساسية لبناء شخصية الإنسان القويمة لكي يبني عليها بناء قوي وشامخ ، والأمر الثاني هو العمل الصالح وبه يتم تكوين الشخصية الصالحة التي بها يحصل الأمان والاستقرار والراحة النفسية له ولأهلة ولكل من ينتمي إليه من الأقارب والأصدقاء والمواطنين ، والأمر الثالث هو التعاون في نشر الحق والعدل والفضيلة بين الناس لأنه بدون هذا التواصي أي التعاون في نشر الحق لا تستكمل شخصيته ولا تتحقق سعادته لأن الإنسان مدني بالطبع فيحتاج في كل حركاته وسكناته إلى الأخذ والرد والفعل ورد الفعل والإقبال والإدبار ، فإن سعادته في سعادة الآخرين وإن أمنه في أمن الآخرين .

وأما الركن الرابع فهو التواصي بالصبر ، ويشمل المواساة عند الحاجة وفوق كل هذا أو ذاك إسداء النصح للآخرين للتمسك بالصبر على طاعة الله والابتعاد عن معصيته ، لأن كلا منهما يحتاج كبح جماح النفس الأمارة والسيطرة على الأهواء والنزوات ومقاومة وسادس الشيطان .

للعمل الصالح أجر غير مقطوع إن العمل الصالح بموجب الإيمان الصحيح والعقيدة الراسخة هو الشيئ الوحيد الذي سيبقي للإنسان بعد انتهاء حياته الدنيا القصيرة وانتقاله إلى الدار الآخرة الباقية فيقول القرآن الكريم : ..

“لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، ثم رددناه أسفل سافلين ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ، فما يكذبك بعد بالدين ، أليس الله بأحكم الحاكمين ” (بلى وأنا مع ذلك من الشاهدين) .

ويقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : “إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له ” وهذه هي الأشياء الثلاثة التي تنفع أي إنسان على وجه الأرض ، مهما كانت مكانته ودرجته ووظيفته في هذه الدنيا .

وكل واحد منها من أعماله الصالحات الناتجة عن عقيدة وإيمان وإخلاص نية .

صالح لنفسه وصالح لغيره..

إن المفهومالصحيح للعمل الصالح هو أن يكون صالحا لنفسه وصالحا لغيره كذلك ، لأن أي عمل يعمله الإنسان إذا كان فيه ضرر للآخر لا يمكن أن تطلق عليه كلمة :

“العمل الصالح” . وتظهر هذه الحقيقة السامية وهذا المبدأ النبيل في جميع تعاليم الإسلام ، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام : “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” فهل يصبح المؤمن مؤمنا كاملا في نظر الإسلام إلا إذا كان عاملا لصالح أخيه الإنسان كما يعمل لنفسه ؟ ..!