مخاطر الأهواء النفسية

الخليج اليوم – قضايا انسانية -7-10-1985م

إذا تصفحنا صفحات التشريعات السماوية أو الأرضية الصالحة ، نجد أن أول أهدافها تطهير النفس من أهوائها ، وتنظيفها من نزعات الشر ، لأن النفس الإنسانية مطبوعة على أصناف من النزوات والأطماع ومستعدة دائما لتقبل ما يوحى به هواها وجشعها .

وأن المجتمع لا يتكون إلا بأفراد قلة ، فلا يصبح ذلك المجتمع صالحا إلا إذا كان أفراده صالحين ، والفرد لا يكون صالحا حتى يكون أعظم أهدافه وأسمى أغراضه العدل والإنصاف وحب الخير للآخرين ، والرغبة في إنهاض الأمة والمساعدة على الحياة الكريمة لإخوانه وجميع مواطنيه وللنوع البشري كله .

الإرادة القوية ..

والإرادة القوية تعصم الإنسان من الوقوع من الزلل .

وتحول بينه وبين الخضوع لما تميله عليه نفسه الأمارة بالسوء ، ولما قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : “أي الجهاد أفضل ” قال : “جهادك هواك ، فإن الشجاع الباسل قد يتغلب على أقرانه ولكنه لا يستطيع أن يرد هوى من أهواء نفسه .

وفي ذلك يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ” ليس اللشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ” ..

ومن آفات الأهواء النفسية إيثار المصالح الذاتية على المصالح العامة ، وترجيح الأطماع الشخصية على العدل والإنصاف ، فلا نجاة لهذا العالم الزاخر بالتقلبات ، والمليئ بالفتن والحروب والكروب إلا بنفوس طاهرة من الأهواء النفسية الهدامة وخالية من الأغراض الذاتية ، وعاملة لصالح الإنسانية كلها ، وفضل مثل هذه النفوس الطاهرة المخلصة فضل سفينة العالم الإنساني الحائر بين العواصف والتيارات إلى شاطئ الأمن والاستقرار والسلام .

درس من السلف الصالحين ..

وقبل أن نبحث عن أسباب استذلال مسلمي اليوم في كل مكان ، وفي كل المجالات ، وأن نتعمق الثغرات التي تسرب منها الأغلال والانحطاط إلى كيان العالم العربي والإسلامي ، بحيث نرى المنتمين إلى الإسلام يذبح بعضهم بعضا ، ويكوه بعضهم بعضا ، حتى أصبح أعداء العرب والمسلمين خاصة ، وأعداء الأديان والقيم الأخلاقية عامة يرقصون طربا ، ويفرحون مرحا ، لما يجري في ساحة هذا العالم المنتمي إلى الإسلام رسما ورمزا ، والبريئ منه حقا وواقعا ، فيجب علينا أن نبحث قليلا عن الأسباب والوسائل التي صار بها المسلمون القدامى – السلف الصالح – أعزة وأئمة ، وأصبحوا بواسطة تلك الوسائل قادة وسادة ، حتى سيطروا بفضلها على بلاد كسرى وقيصر ، وأرسلوا النور والعرفان إلى بقاع الأرض ، وأنشأوا جيلا جديدا مثابرا مخلصا شجاعا .

ومن أهم الأسباب التي اعتز بها المسلمون السلف الصالح ، وكانوا بفضلها أعزة وحكاما ، وأئمة وسادة .

أولا : – اعتصامهم بكتاب الله العظيم ، الذي جاء هدى ونورا للبشرية إلى حياة طيبة وسعيدة ، ففهموا تعاليم هذا الدستور الإلهي حق الفهم وعملوا بهدية وإرشاداته ، وطبقوا تعاليمه في شؤونهم جميعا ، لأن القرآن منزل من خالق الإنسانية وعالم بطبائعها ونزعاتها …

ونزواتها وأهوائها ، وأن مصور الشيئ وخالقه وبارئه أدرى بطبائعه وغرائزه وخفاياه وخباياه ، فلا يستطيع أحد سوى رب الناس أن يضع قاعدة عامة ويشرع قانون صالحا لطبائع الناس كلها وموافقا لفطرة الإنسانية بأجمعها . فإذا انحرف قوم عن تعاليم خالقهم واتبعوا الأهواء والشهوات فسوف يلقون غيا !!!..

وثانيا : – إنهم كانوا مع وفرة قوتهم وكثرة عددهم وعددهم لم يأمنوا من الغوائل ولم يترفوا بما أوتوا من نعم سابغة ، ولم يغفلوا عن دسائس الأعداء ، وتجسس الخصوم ، وكانوا في كل آونة من الحذر ، والانتباه والاستعداد ، وكانوا ساهرين على مصالح الأمة والوطن ، وكانوا يؤثرون المصالح العامة في جميع الأمور على المصالح الخاصة – الشخصية .

إذا تعرضنا في مجال من المجالات الحيااة البشرية .

ومن العجب العجاب أن نرى خلف ذلك السلف المذكور .

أذلة صاغرين في جميع البلاد ، متفرقي الكلمة ومتعبدي الأهواء .