الإسلام دين النظام في كل مرفق من مرافق الحياة

الخليج اليوم – قضايا انسانية –11/11/1985

إن الإسلام يوجب على اتباع النظام ، في كل مرفق من مرافق اللحياة ، فالصلاة تؤدي بنظام من جهة الوقت وأداء أركانها ومتابعه المأموم للإمام ، وكذلك في العبادات الأخرى م الزكاة والصوم والحج . وأن الوقت هو رأس مال الإنسان في الحياة ، وعدم التنظيم يبعثر المجهود ويضيع الأوقات النفسية فيما لا فائدة فيه مع أن واجبات المسلم الواعي أكثر من الأوقات ، وعليه أن يبادر إلى استغلال كل دقيقة من وقته قبل فوات الأون . وأن قليلا من العمل بنظام ودوام خير من الكثير مع الفوضى والانقطاع .

عدم جواز تبديد الطاقات والجهود

وينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستحضر في ذهنه دائما أن نفس المسلم ليست ملكه وإنما هي ملك لله تعالى ، فلا يجوز إتلافها وإتعابها بطريقة عشوائية أو فوضوية وبالتالي فلا يجوز له تبديد طاقاته وجهوده إلا في فائدة تعود إلى خدمة الإسلام ، وفي سبيل الله سبحانه وتعالى وأن معرفة غاية الإنسان في هذه الحياة تجعله يوقن أنه ما خلق عبثا وقد خلق لعبادة الله الخالق المالك وأنه إليه راجع ، ويحاسب حسابا دقيقا ، عن كل ذرة من أوقات حياته . وقال تعالى : “أفحسبتهم أنها خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون” . وقال أيضا : “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ” .

ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي ظفي معرض الكلام عن قيمة الوقت ، وضرورة الالتزام بتنظيمه واستغلالة .

“دقاة قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان .

وهذه المعرفة تساعد الإنسان على حمل نفسه على تنظيم أوقات حياته فيما ينفعه في الدنيا وفي الآخرة ويقول القرآن الكريم مشيرا إلى هذه الحقيقة : “أن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى ، وإن إلى ربك المنتهى ” .

وأما قوله تعالى : “لتسألن يومئذ عن النعيم ” . فيدل على أن الإنسان ليحاسب على كل لحظة من حياته فيما أنفقها ، وكيف صرفها لأن الوقت هو النعمة الكبرى التي لا تقدر بثمن ، فإن كل شيئ في الدنيا يمكن استرداده بعد ضياعه أو تعويضه بعد انقضائه أو شراؤه بالثمن الباهظ ، بعد نفاذه في مكان من مكان آخر ، فأما اللحظة التي فاتت من حياة الإنسان ليلا أونهارا ، يقظة أو سباتا ، فلا يمكن استردادها أو شراؤها لو حاول أهل الدنيا مجتمعين ، بكل ما في الأرض من ثروات أو أموال . ومن هنا لا يخفي على من له مثقال ذرة من العقل السليم أو الفهم الصحيح ، أن الوقت هو رأس مال الإنسان الغالي ، الذي لا يقدر بثمن . فكيف يسمح لنفسه أن يضيع سدى ؟ وكيف لا يقوم بتنظيمه بدقة وعناية ؟

الشعوب الناهضة والنظام

لقد أدركت الشعوب الناهضة ، في كل عصر وقطر مدى أهمية الالتزام بالنظام في شؤون الحياة كلها ، فبه يتحقق النجاح في المجال العلمي والعملي لأن الطالب الذي ينظم أوقاته سينجح في مدرسته أو جامعته وأن الصانع الذي يلتزم بالنظام في مصنعه سيحقق هدفه فيه ، وأن التاجر الذي يلاحظ النظام في متجره ، وفي معاملاته مع عملائه وزبائنه ، سينجح في تجارته في أقرب وقت وأسهل صورة .

وأما الالتزام بالنظام في مأكله ومشربه وملبسه ومنامه فلازم جدا للتمتع بنعمة الصحة والعافية ، والنشاط في العمل اليومي ، وهذه هي الفكرة السليمة التي وضعها الله تعالى للكائنات كلها ، وإليه يشير القرآن إذ قال :” الشمس والقمر بحسبان ، والنجم والشجر يسجدان ، والسماء رفعها ووضع الميزان ، ألا تطغوا في الميزان ” . فقد خلق الله تعلى كل شيئ بدقة ونظام وحسبان وميزان أي بالاتزان والتوازن والاتفاق التام .

أهمية النظام في شؤون الحياة كلها

وقد دعا الخالق سبحانه وتعلى الإنسان إلى الأخذ بالنظام في كل مرفق من مرافق الحياة البشرية ، فمثلا يوجب النظام في الأكل والشرب ، بدون إفراط ولا تفريط ، وبلا إسراف ولا تبذير فيقول : “كلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين ” . ويوجب النظام في المشي والحركات فيقول : “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا “، وأما الهون المشي المعتدل بدون بطئ وبلا سرعة فائقة ، وبدون تبختر وخيلاء وبلا ذلة وضعف وهوان . ثم يحث على الالتزام بالنظام فغي المعاملة مع الناس كلهم : “ولا تصعر خدك للنس ولا تمش في الأرض مرحا ، إن الله لا يحب كل مختال فخور ، واقصد في مشيك ، واغضض من صوتك . . ” .

وهكذا وضع الإسلام نظام التوازن في حركات المسلم وسكناته . وهذا التوازن هو الذي يدفع عن الإنسان الفوضى والارتباك والجزع ، كما يجلب له الطمأنينة والسكينة والسلام ، الإتقان في العمل الذي يقوم به الإنسان في أي مجال من مجالات الحياة ، وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : “من عمل منكم عملا فليتقنه” . وهكذا الإتقان هو الذي أشارت إليه الآية الكريمة : “إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ” . فالنظام هو مدار إتقان كل عمل وإحسانه .