المنهج المحمدي في تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس

الخليج اليوم – قضايا انسانية –16/2/1985

إن الدعوة الإسلامية في جوهرها ن دعوة الرسل جميعا وقد اكتملت حلقات هذه الدعوة بخاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة الإسلام أحسن تبليغ وأكمله ، وقام بالدعوة إليه بالمناهج والوسائل والأساليب التي أوحى الله تعالى إليه ، والثابتة في القرآن والسنة النبوية ، وأن منهجه هو الأصل والمرجع لجميع الدعاة في سائر الأزمنة والأمكنة ، وهذا المقال بيان موجز لأصول المنهج المحمدي لتبليغ دعوة الإسلام إلى الناس .

أسلوب إمام الدعاة

وكان إمام الدعاة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، يحرص على إيصال الدعوة لكل إنسان يستطيع الوصول إليه ، وكان يأتي مجالس القوم ومجامع قريش ويدعوهم ، ويخرج إلى القبائل في منازلهم ويدعوهم إلى الله ، ويذهب إلى ملاقاة من يقدم إلى مكة في المواسم الخاصة فيدعوهم ، وجاء في سيرة ابن هشام : “وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمع بقادم إلى مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له ، فدعاه إلى الله ، وعرض عليه ما عنده ” . (ج 2 ص 32) ، وما كان يكتفي النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مكة ومن كان يأتيها ، وإنما يذهب إلى خارجها ، ذهب إلى الطائف يدعو أهلها ، وكان يدعو كل إنسان يلقاه ، أو يذهب إليه ، ويتضح من هذا النهج المحمدي أن الداعي ينبغي له أن يذهب إلى المدعوين ويتصل بهم ليبلغهم الدعوة ويدعوهم إليها ، ولا ينبغي له انتظار مجيئ الناس إليه .

لا يجوز استصغار شأن أحد

إذا درسنا أساليب وطرق المنهج المحمدي في الدعوة يتبين لنا بكل وضوح ويقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو كل إنسان ولم يستصغر شأن أحد . وجاء في السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن عرض نفسه على قبائل العرب التي وافت الموسم في مكة ، وكان ذلك قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات ، ولم يستجب له منهم أحد ، لقي ستة نفر من الخزرج عند العقبة من منى وهم يحلقون رؤوسهم ، فجلس إليهم فدعاهم إلى الإسلام وقرأ عليهم بعض الآيات القرآنية ، فاستجابوا لله ورسوله وآمنوا ثم رجعوا إلى قومهم بالمدينة وذكروا لهم نبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام فانتشر فيهم خبر حتى لم تبق دار من دور الأنصار في المدينة إلا فيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته ! .

ويجب أن نفهم في هذا الصدر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستصغر شأن أولئك الستة وهم يحلقون رؤوسهم في مكان بعيد في منطقة منى بقرب مكة ، ولم يقل في نفسه الكريمة : أي أمل في هؤلاء الستة الوافدين المشغولين بحلق رؤوسهم ، مع أن أحدا من القبائل النازلة حوالي مكة لم يستحب له ، وكانت نتيجة هذه الوسيلة الحكيمة التي اتبعها إمام الدعاة أن كان أولئك الستة نواة الدعاة الإسلامية في المدينة وطليعة الدعاة إلى الإسلام في خارج مكة المكرمة وفاتحة مستقبل ميمون لتاريخ الإسلام والمسلمين عبر العصور بإذن الله تعالى ؟ ومن هنا يجب أن يفهم الداعي جيدا أن الذي لا يقيم له وزنا في أول الأمور يها يكون له في المستقبل وزن كبير في مجال خدمة الإسلام والدعوة إليه فلا يجوز له على الإطلاق أن يستهين بأي إنسان أو أن يستصغر شأنه .

ضرورة الانتقال إلى المدعوين

والواضح من المنهج المحمدي في تبليغ الدعوة أن الداعي ينبغي له الذهاب إلى المدعوين بدون أن ينتظر مجيئ الناس إليه بل من حق المدعو أن يؤتى ويدعى ، لأن مهمة التبليغ تسبق مهمة السامعين في الاستجابة لدعوة الحق ونداء الخير . وإذا لم تصل إليهم الدعوة ولم يسمعوا خبر الدعاة فكيف يطالبون بالاستجابة ؟ ولهذا كان رسل الله الكرام يأتون إلى أماكن الناس لتبليغ دعوة الحق والخير ، وإنما هو القدوة والمثل الأعلى في مجال وظيفة تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس ، وعلى كل داع أن يقتدي بهم .