الإحسان تكررت بالوالدين مقترن بالتوحيد

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 29-يوليو-1986 م

لقد تكررت أوامر القرآن ووصايا رب العالمين والإرشادات النبوية المتعددة ببر الوالدين والإحسان إليهما والإطاعة لهما ، مقترنة بالإيمان بالله والتوحيد به والشكر لنعمائه ، وجاءت هذه الوصايا والأوامر القرآنية الإلهية والنبوية تذكيرا للأولاد بضرورة شكر المنعم المتفضل على خلقهم ومنحهم النعم التي لا تحصى وهو الخلاق الرزاق المالك للكون ، ثم جاءت الوصايا والأوامر بشكر آبائهم وأمهاتهم وإطاعتهم والإحسان بهم لأنهم تحملوا في سبيل أولادهم من متاعب ومصاعب وتكاليف في تربيتهم وتعليمهم والحفاظ عليهم فإذا كان الرب تعالى هو المنعم الحقيقي بخلقهم ورزقهم وحفظهم وتربيتهم فإن الآباء والأمهات هم الأسباب المباشرة الممسوسة المشهودة لكيان الأولاد لأنهم فلذات أكبادهم وقرة أعينهم وعدة مستقبلهم ومناط آمالهم ، وسئل رسولا الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال : “الصلاة على وقتها . وقيل : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين . وقيل : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله . (متفق عليه) وينص الحديث على أن بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله !

دأب القرآن على الوصية ببر الوالدين مقرونة بعبادة الله وشكره

وهنا بعض الآيات القرآنية التي اقترن فيها الأمر بالإيمان بالله وشكره وطاعته بالأمر بلإحسان إلى الوالدين :

1 – “ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير” (لقمان : 14) .

2 – “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا” (النساء : 36) .

3 – “وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين ” (البقرة : 83) .

4 – “قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم آلا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا” (الأنعام : 152) .

5 – ” وقضى ربك أن لا يعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ” (الإسراء : 23) .

ويوصي القرآن كل إنسان عاقل مؤمن بالله ، أن يكون بارا بوالديه وخافض الجناح لهما وراحما عليهمافي كل الأحوال والظروف والشؤون لأنهما رباه صغيرا وقد تحملا المتاعب في سبيل راحته أرقا وسهرا وكربا وكانا له جناحا يطير به ومهدا ينام فيه ، ورحمة وكرما ونعمة وإحسانا ، ويذكره القرآن بهذه النعم ويدعوه إلى استذكارها ومقابلتها برحمة الإحسان ونعمة الطاعة ووفرة الكرم والخضوع لأوامرهما ومطالبها والتماساتهما عندما يبلغان الكبر ويضعفان صحة وعافية ويحتاجون إلى قلوب رحيمة وأياد حنونة وخدمات مواسية ودعاء كريم فيقول رب الكائنات وعلام الغيوب والأقرب إلى كل إنسان من حبله الوريد : “وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” (الإسراء : 24) .

وإذا كان أحد الوالدين أو كلاهما مشركا أو كافرا فيجب على الأولاد المسلمين أداء حقوق الوالدين كاملا غير منقوص لأن الوصية والأوامر بالإحسان إلى الوالدين والبر بهما عام ومطلق وشامل بدون استثناء بالنظر إلى الفوارق في العقيدة الدين والصلاح والتقوى ، ولكن هناك استثناء واحد فقط نص عليه القرآن الكريم وقد أوضح هذا الاستثناء في الآية التالية : “وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ، وصاحبهما في الدنيا معروفا ” (لقمان : 15) . وهنا ك آية أخرى ماثلة في سورة العنكبوت : “ووصينا الإنسان بوالديه حسانا ، وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون” (العنكبوت : 8) .

وأن الأمر واضح في كلتا الآيتين بأن الوالدين المشرك أو المشركة إذا طلب من الأولاد المؤمنين الإشراك بالله فلا طاعة لهم في هذا الطلب مع وجوب الاستمرار في برهما والإحسان إليهما واصطحابهما بالمعروف ، ولم ترد آية إشارة في القرآن أو في الأحاديث النبوية إلى اشتراط الإسلام لوجوب الإحسان والبر بالوالدين وان الاستثناء الوحيد إنما هو عدم الطاعة لهما إذا طلبا منه الإشراك بالله لأن الشرك أكبر الكبائر وظلم عظيم ولن يغفره الله لأحد ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

بر الواردين في الوصايا النبوية

تعددت وتنوعت الوصايا النبوية ببرالأولاد للوالدين والإحسان إليهما وبذل الطاعة لكل ما يأمران به أو ينهيان عنه وتلبية طلباتهما والشكر لهما بكل الوسائل والأساليب إنفاقا وسلوكا ورعاية وعناية ولطفا ورحما فمنها ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ سأله رجل : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ أبوك ( متفق عليه) . ومن أهم الأحاديث المروية في هذا الباب ما روى عن عبد الله بن عمرو بم العاص رضي الله عنهما قال : أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : “أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى ، قال : فهل لك من والديك أحد حي ؟ قال : نعم ، بل كلاهما . وقال : فتبتغي الأجر من الله تعالى ؟ قال : نعم ، قال : فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما” (متفق عليه) .

وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما : قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاسفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : قدمت على أمي وهي راغبة ، أفأصل أمي ؟ قال : نعم ، صلي أمك” (متفق عليه) . ما أروع آداب الإسلام وما أعظمها !! ؟