سلوك الأولاد يتكيف بسلوك الآباء والأمهات

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 3-أغسطس-1986 م

من القضايا المسلمة ، عقلا وفكرا وتجربة ، أن الطفل يتأثر بسلوك الآباء والأمهات منذ نعومة أظفارهم وفي حضن أمهاتهم وأن تطلع الطفل إللا محاكاة وتقليد الحركات والهيئات السائدة في سلوك أفراد الأسرة معروف ومشاهد في كل بيئة وظروف ، ومن هنا يقول رجال التربية وخبراء علم النفس وعلماء السلوك المنهجي إن اللبنة الأولى لتكوين الشباب الصالح بعبارة أخرى الجيل الجديد المتحضر توضع فيث ركن الأسرة تحت سمع وبصر الآباء والأمهات قلب كل الاعتبارات ، إلى هذه القضية المسلمة بالإجماع لدى العقلاء جميعا وإلى هذه الطبيعة الكونية التي لا فكاك لأحد من المخلوقات من هذا الإطار المحكم الإلهي الفطري ، يشير إرشاد أشرف الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه” ، ويدل هذا الحديث دلالة واضحة على أن كل طفل يخرج من بطن أمه إلى الدنيا وهو على الفطرة السليمة والاستقامة الطبيعية وبعد ذلك يتكيف سلوكه ونموه العقلي والفكري حسب ظل الأبوين حيث يترعرع تحته ويتأثر بانعكاسه .

حب المحاكاة غريزة في كل الأطفال

إن الطفل في كل البيئات والأسر والأزمنة والأمكنة يقوم بتقليد أبويه ومحاكاة حركاتهما وحديثهما ثم سائر أفراد الأسرة الذين حوله فإذا عمل الأيوان أعمالا حسنة وأظهرا سلوكا طيبا أمام طفلهما فلا شك في أن هذا السلوك الأبوي يؤثر في نفس الطفل ويصوغ نفسيته وعقليته النامية على ذلك المنوال وتتكيف حياته في المستقبل تحت انعكاسات تلك الصور المحفوظة في مخيلته منذ الطفولة من أساليب حياة أبوية ، ومهما كبر وشاخ ودرس وتعلم فلا تمحو ولا تزول من مخيلته تلك الصور الراسخة فيها والمنعكسة في زواياها منذ البداية ، وقد جاءت التعاليم السماوية كلها والتجارب الإنسانية بأجمعها ، تدعو إلى ضرورة تربية الطفل من بداية نشأته ، وتلقي المسؤولية الأولى الكبرى على الأبوين قبل كل الجهات المسؤولة عن تربية الأطفال من المدارس والمجتمع والدولة وقبل كل رجال التربية عن المعلمين والمرشدين والدعاة لأن الطفل في صغره وفي حضن أمه وظل بيته يتقبل الإرشاد السلوكي السليم وبه ينمو شابا سويا عند إحساس بالمسؤولية واستعداد لقبول اتوجيه السليم بدون تردد ، وتأفف ونفور ، لأن التربية صالحة والبداية طيبة والأساس سليم البنيان ، ومن المؤسف جدا أن المجتمع الإسلامي – تقليدا أعمى لبعض المجتمعات المهلهلة أو البعيدة عن الحياة القائمة على الأخلاق الفاضلة والسلوك القويم – بدأ يهمل تربية الطفل وفي كنف الآباءوالأمهات بحب وحنان وسلوك وتقويم ، دون إحساس بالأثر السلبي الذي سوف يعود بسوء العاقبة ووبال المصير ، على الأطفال ، وان المسؤولية العظمى الأبوية لتربية الشباب تتأكد جدا وبلا ريب من زاوية النظرة الإسلامية من إرشاده عليه الصلاة والسلام : “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ” ، وقد أوضح الإسلام لطرق الصحيح والوسائل الكافية لتربية الشباب على اتجاه سليم ، وقد ألقى كذلك مسؤولية هذه التربية في ضوء تلك الطرائق على عواتق الآباء والأمهات ، وتشتد وقعة هذه المسؤولية إذ يقرأ الآباء ويفهمون هذه الآيات القرآينة الحكيمة : “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ” (التحريم : 6) . وكذلك : “قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ” (الزمر : 15) .

أثر الأسرة على عقلية الأولاد

إن أثر الأسرة على تكوين عقلية الأولاد أمر معروف وملموس وأن التفاعل بين حياة الأسرة وبين انعكاساتها على عقول الأطفال أيضا واضح في سلوك ومعاملات وعادات أولئك الأطفال ، ولهذه الأسباب كلها وغيرها من الأسباب التي تظهرها الأيام والتحارب في المستقبل أكثر فأكثر ، قد جعل الإسلام الأسرة المسلمة مسؤولة بطريقة مباشرة ومؤثرة على تربية الشباب المسلم وتوجيه سلوكه ، وأن الأسرة المسلمة تعاني اليوم في كل مكان من بعض الإغراقات والتفاعلات التي لا تتمشى مع مقتضيات السلوك الإسلامي في شبابها ، ويجب أن يفهم كل مسؤول عن هذه الأسر أو هؤلاء الشباب أن الأزمة ليست أزمة مبادئ وأفكار ولكن الأزمة الحقيقية في نمط تطبيق تلك المبادئ والأفكار وبعبارة أخرى أن المجتمع الإسلامي لا يعاني اليوم من قلة المبادئ أو عدم كفاءتها وقدرتها على خلق جيل قوي صالح في كل المجالات ، ولكن يعاني اليوم من عدم تطبيقها في السلوك اليومي ، وطرحها في مجالات الحياة العملية ، وما تزال تلك المبادئ النبيلة مطروحة في وسائل الوعظ والخطب والكتابة والنشر بحيث تقرأ وتحفظ وتسمع وتدرس .

ويجب أن يفهم كل من ينصب نفسه كداعية إلى الخير أو مصلح اجتماعي أو عامل من أجل النهوض بالمجتمع الإسلامي إلى مدارج التقدم والنمو والحضارة كما أراده الإسلام وقدمه كنموذج حي ، من طلائع هذه الأمة ، أن الإسلام دين واقعي ولا نظري وهو نظام عملي ولا فكري محض وسلوكي ولا قولي بحت ، وأن النظام الإسلامي ملموس في سلوك أتباعه وليس بملفوف في أوراق الكتب والصحف والمجلات ، ولا يؤتي ثماره اليانعة بتشدقه بألسنة الخطباء ، ولا بترداده بأقلام البلغاء ولكن يؤتي ثماره ويثبت كيانه ويشيع أضواءه بتكييف سلوك الأفراد بأخلاق الإسلام ، ابتداء من المهد في البيت والأسرة ، تحت ظل قدوة الآباء والكبار الذين يحسون بمسؤوليتهم في انحلال الصغار .