صلة الأرحام تبسط الرزق وتطيل العمر

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 30-يوليو-1986 م

كفى للمسلم العاقل فهما ووعيا وإدراكا لعظمة خلق صلة الأرحام وفضلها ونيلها ومكانتها عند الله والملائكة والناس أجمعين ، إرشاد أكرم الخلق وأفضل الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس رضي الله عنه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “من أحب أن يبسط في رزقه وينسأله في أثره ، فليصل رحمه” (متفق عليه) .وما أروع جوامع الكلم : وأدعي العقل السليم للتفكير فغي فحواها ومغزاها وفي مآثرها وعواقبها الجميلة ؟ ومن من العقلاء الأذكياء لا يطمع في تحقيق هذه الآثار الطيبة في حياته ؟ بطسة وسعة وبركة في رزقه ، وخير وتأخير وتأثير في عمره وأجله ! أو ليس قول الصادق المصدوق كافيا له ليتأمل في آثار صلة الأرحام حيث قال بكل وضوح وجلاء وينسأله في أثره ” أي يؤخر له في أجله وعمره ، ويترك له أثرا من خلفه وذركا بعد موته ، ودعاء وشكرا ورضاء من والديه وأقاربه وأصدقاء الآباء والأمهات وذوي الأرحام مدى حياتهم ، ولمزيد من الاعتبار والاتعاظ ولتثبيت هذه الفكرة السامية التي هي قاعدة أساسية للحياة الأسرية والاجتماعية في كل الظروف والبيئات والفائات التي تعيش على الفطرة السليمة وفي نفوسهم نبضات الحب والعاطفة وخفقات الأخوة الإنسانية دعنا نقوم بتطواف سريع حول بعض الإرشادات القرآنية والتنبيهات النبوية بهذا الشأن العظيم :

صلة الأرحام في القرآن

قال الله سبحانه وتعالى : “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما وجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، إن الله كان عليكم رقيبا” (النساء : 1) وقال أيضا : “والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ” (الرعد : 21) ، ومن الآيات الدالة نصا وروحا ، ولغة وعقلا ، على تحريم قطيعة الرحم وتشنيع جريمة عقوق ذي الأرحام ، وتنبيه الغافلين إلى مغبة هذه الفضاعة في الدنيا والآخرة ظاهرة وباطنة قوله عز وجل : “فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ، أولئك الذين لعنهم فأصمهم وأعمى أبصارهم ، أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ” (محمد : 24) .

وأيضا قول الخالق الجبار في كتابه المبين : “والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار” (الرعد : 25) .

وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم ، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذلك لك ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه سلم : “اقرأوا إن شئتم ، فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم” (متفق عليه) . وجاء فيرواية بلفظ البخاري : قال الله تعلى : “من وصلك وصلته ، ومن قطعك قطعته” ، وهناك روايات متعددة تبين فظاعة قطعية الرحم وفضيلة صلتها ، وإليكم نبذة من تلك الأحاديث المشهورة :

في أحاديث النبوية

1 – عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” (متفق عليه) .

2 – وعنه أيضا أن رجلا قال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني ، وأحسن إليهم ويسيئون إلي ، وأحلم عنهم ويجهلون علي ، فقال : “لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ، ولا يزال معكم من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك” (رواه مسلم) ، وبين علماء الحديث فحوى معناه كالآتي : وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بتقصيرهم في حق المحسن إليهم ولا شيئ على هذا المحسن إليهم وينبغي الاستمرار في أداء حقه نحوهم صابرا وطامعا في رضوان الله وثوابه ومطيعا لأوامره .

3 – قال النبي صلى الله عليه وسلم : “ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها” (البخاري) .

4 – عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله” (متفق عليه) .

5 – عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “تعبد الله ، ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم” (متفق عليه) .

الإحسان إلى أصدقاء الوالدين من صلة الرحم

قال النبي صلى الله عليه وسلم : “إن أبر البر أن يصل الرحل أهله ود أبيه” (رواه مسلم) .

وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله بقي من بر أبوي شيئ أبرهما به بعد موتهما؟ فقال : “نعم ، الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما” (رواه أبو داود) .