الكمال المطلق لله الواحد القهار

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 25-ديسمبر-1985 م

لما كان الكمال المطلق لخالق الكون سبحانه وتعالى كان النقص والعجز والضعف والاحتياج إلى قوة أكمل وأقوى من طبيعة الكائنات كلها . وهذه الصفة الاحتياجية التي يتصف كل الكائنات ، هي المعنية بقوله عز وجل “الله الصمد” . فالصمد هو الذات المطلق الذي لا يحتاج إلى أي شيئ وكل شيئ محتاج إليه . وأن هذه “الصمدية” هي الكلمة المعجزة في القرآن حيث لا يوجد لها لفظ مترادف يساوي معناها وفحواها ، في اللغة العربية نفسها فما بال اللغات الأخرى التي أقل شأنا في كثرة المترادفات وتعدد المعاني المتقاربة ، وأدنى مكانا في ثراء الكلمات والمصطلحات واستيعاب العلوم والمعارف والحضارات ، فكما أن الصمدية معجزة لغويا فإنما هي معجزة معنويا كذلك ، والله سبحانه وتعالى هو الكمال المطلق والقوة الأكمل ، وكل إنسان وكل جزء من الكون مهما كان قدمه وشأنه مخلوق من العدم ، ومركب من أجزاء وأشياء مركبة قابلة للانتقاص والانتزاع والانتهاء حسب مشيئة خالقه وإرادته. وإلى هذا القانون الفطري الحق أشار الله تعالى وأرشد الإنسانية : “كل شيئ هالك إلا وجهه” . وأيضا : “كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ” .

بالفطرة يشعر الإنسان بالنقص والاحتياج

إذا حاول الإنسان العاقل المتزن عقلا وفكرا ، أن يلتمس واقع وجوده في الكون وحقيقة شعوره عن نفسه ، يدرك بكل وضوح وجلاء أنه دائما يحس بالنقص والعجز والاحتياج في كل حركاته وسكناته ، وأقوله وأفعاله إلى قوة دافعة ومعطية له الطاقات اللازمة لكي تخرج ما في مخيلية من المطالب والمقاصد والرغبات إلى واقع ملموس ومحسوس وأن هذا الشعور بالاحتياج إلى شيئ أقوى منه وأقدر ، في حياته هو الذي يوعزه إلى التفكير في حقيقة فطرية وكيانه ووجوده ومصيره ، وقد يخبو واقع هذا التفكير الأصيل الفكري لدى بعض الناس بسبب العوارض والمشاغل المادية بإغواء النزوات الشيطانية ، فيكون في حكم فاقد الشعور الواعي والقلب النابض ، وإن كان في الظاهر جثة متحركة على سطح الأرض يشكل الهيكل الإنساني ، كأنهم خشب مسندة !

وأن الشعوربالاحتياج إلى قوة أكمل وأقوى فهو ما فطر عليه الإنسان ، وجزء من تكوينه حيث لا يمكن انتزاعه منه ، وهذه الغريزة الفطرية هي التي تؤدي الإنسان إلى الإيمان بالخالق المدبر الذي أعطاه حلقه وصورته ودبر أموره وأنار طريقه في حياته كلها ، وإليه يشير قوله تعالى : “فأقم وجهك للدين حنيفا ، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” .

وأما أصالة الإيمان الخالق المدبر والانقياد لأوامره والالتجاء إلى عونه وتوفيقه فموجودة في كل إنسان بفطرته ، ولكن الأصالة مهما كانت راسخة وعريقة تخبو أحيانا وراء غمامة عارضة ، من الوهن والغباء أو بشدة الرياح العاتية .

استعمال العقل والفكر لمعرفة قدرته

ومع كونه الإيمان بالخالق المطلق من فطرة الإنسان السوي ، ومن غرائزه المركوزة فيه بأصل الخلقة فقد أوجب الخالق سبحانه وتعالى على الإنسان استعمال عقله وفكره لمعرفة قدرة الخالق المدبر وقال : “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ” . وقال أيضا : “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون” .

وبالتفكر والتأمل يكون الإيمان عن عقل وبينة .