تنظيم الحياة الزوجية هو الدعامة الأولى لبناء المجتمع الصالح

الخليج اليوم – قضايا انسانية –22/10/1985

إن الإسلام يعتبر الزوجة الدعامة الأولى في بناء حياة الأسرة والخلية التي يتكون منها جسم الأمة ، ويقوم عليها صرح الدولة ومجد الشعوب . ويحرص دستور الإسلام على أن تكون هذه الخلية سليمة ومنيعة قوية لتنتج نسلا صحيحا قويا ومنيعا ، لكي تتحقق فكرة عمارة الأرض وازدهار الحضارة وتقدم العلوم والمعارف .

ومن مفاخر تعاليم الإسلام أنها منحت للمرأة جميع حقوقها الإنسانية حتى رفعت مستواها إلى مستوى الرجل ، فأعلن “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف” .

الرياسة العائلية

فنظرا إلى بعض الفوارق الطبيعية بين الرجل والمرأة ، والتي ليس من طاقة البشر أن يسوي فيها بين الرجال والنساء ، حيث أن المرأة لا يتاح لها من فرص الخبرة والتجرية والمشاهدة ما يتاح للرجال ، قد فوض الإسلام الريياسة العائلية إلى الرجل فيقول القرآن الكريم : “الرجال قوامون على النساء” . فالمراد بالقوام هنا مجرد رياسة عائلية تقوم على المشاركة والمشاورة لا على القهر والاستبداد ، فيجب على الرجل رعايتها وتدبير مصالحها وصيانتها والمحافظة على شؤونها وأولادها ومنزلها ولو بشق الأنفس !

زهذا القزام كمثل قولنا – على سبيل تقريب المفاهيم فقط لا تحديدها – البرلمان قوام على الحكومة أو الحكومة قوامة على الشعب أي أن القوامة معناها الرعاية .

المثل الأعلى للحياة الزوجية

وأقرب مثل وأحسن قدوة وأفضل أسوة لمعرفة مدى رعاية الإسلام بتنظيم الحياة الزوجية ، وبتعهدها في جميع مراحلها ، هو سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وأولاده . ويكفينا كأقرب مثال وأوجزه ، حياته مع زوجته الأولى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، ومع أولاده منها ، فلم يعرف عنه إطلاقا أنه وقف منها موقفا سلبيا لا ترضاه ، ولم يذكر التاريخ على طول ما حفظ من مراحل حياته عليه السلام ، دقيقها وجليها ، كبيرها وصغيرها ، أنه آلمها وآذاها أو تركها تبين ليلة واحدة على غير تمجيده كزوج كريم وكأب رحيم ، يرعاها ويرعى أبناءها ويتعهدها ويتعهدهم ، ويكفل لها ولهم الهناء والإسعاد . وهذه هي الحياة الزوجية المثالية التي يطلبها الإسلام من أمته في كل مكان وزمان وبيئة ، مهما كانت الظروف والحالات ! .

تعدد الزوجات مشروط !

أما نظام تعدد الزوجات في الإسلام فمشروط بشروط قاسية ودقيقة ، ولم يبحه مسايرة للشهوات والأهواء الشخصية ، والأصل في إباحة تعدد الزوجات قوله تعالى : “فانكحوا ما طاب لمن من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ” . ويظهر من هذه الآية أن من الإباحة مرتبطة بملابسات ومتعلقات سبقق ذكرها قبلها ، كما تدلعلى ذلك كلمة “فانكحوا” المبتدئة بالفاء (وهذا بحث طويل وموضوع آخر له مقام آخر) ولا يتسع المجال الآن لذكرها أو الإشارة إليها ، والنقطة الأخرى الهامة في هذه الآية هي : أن إباحة التعدد مشروطة بالعدل أي إذا خيف الجور أو التحيز إلى واحدة دون أخرى وجب الاكتفاء بواحدة . ومن رحمة الله على عباده أن العدل المشروط في الآية كما بينها المفسرون وبعض المنكرون هو في الأمور الممكنة كالنفقة والسكن واللين في المعاملة ، وأما المساواة بين الزوجات فيما ليس في إمكان الإنسان ، مثل ميل القلب إلى واحدة منها فلم يكلف بالعدل فيه والمساواة . وقد فسر أصحاب هذا الرأي قوله تعالى في آية أخرى : “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم” بأن العدل المشروط في الآية السابقة في الأمور الممكنة ، وهو غير العدل الذي بينه سبحانه وتعالى أنه غيرر مستطاع ، في هذه الآية ، مثل ميل القلب الذي لا يستطيع الإنسان أن يتحكم فيه ويسيطر عليه ،، وعلى كل حال فلا نجد في القرآن الكريم أو الإرشادات النبوية ما يرغب في تعدد الزوجات ، وللكن الإسلام أباحه مع قيود صارمة وشروط صعبة مع بقاء الاختلاف حول تحديد “العدل” المشروط في مقابل “العدل ” غيرر المستطاع ، فكل هذا وذاك يدعو المسلم الملتزم إلى التدبر والتفكير مرات ومرات قبل الإقدام على تحديد زوجاته بدون ضوابط ولا قيود ، ولم يفتح الإسلام هذا الباب أمام كل من هب ودب ، لكي يجعل الحياة الزوجية مثار الفوضى والحزازات ويترك الأولاد فريسة لألاعيب الضرات ! ويصير هو في النهاية في المتاهات ! وأن العبرة بالغالبية العظمى ، وليست بمثال فردي في مكان ما وفي ظروف ما! وأن العامل الأكبر والمؤثر الأول في تنشئة جيل صالح ونافع هو قيام حياة زوجية صالحة ومنسجمة .