اليقظة والحذر من صفات المؤمنين

الخليج اليوم – قضايا انسانية –10/11/1985

إن المؤمنين الصادقين هم الذين يفهمون لسنن الله في الكون ، وأن الإرشادات القرآنية والسنن النبوية صريحة وقاطعة على وجوب الأخذ بالحذر والحيطة في شؤون المؤمن كلها . وقال تعالى : “يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ” .

والمطلوب من المؤمن العاقل أن يبتعد دائما عن الطيش والغفلة وقصر النظر ، وأن الفرق بين العاقل والجاهل ، أن الأول يعرف اللخطر قبل وقوعه فيأخذ الحيطة والحذر قبل وقوع المكروه ، وأما الثاني فلا يحس به إلا بعد وقوع المكروه !

ضرورة الأخذ بأسباب الحذر لكل مسلم إذا درسنا السيرة النبوية نجد فيهاا شواهد كثيرة على لزوم الحذر لكل مسلم من مكائد الأعداء ولا سيما في العصر أو المكان الذي يتعرض فيه للعداء والمعارضة من الجهات المعارضة للحق وأصحابه ومن هذه الشواهد ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ، يوم كانوا في مكة قبل الهجرة حيث كانوا يذهبون للصلاة إلى الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم خوفا للفتنة ومنها أيضا وسائل الحيطة والحذر التي اتخذها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في واقعة الهجرة وذهابه إلى غار بجبل ثور وأمره لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه للنوم على فراشه ليلة الهجرة ، وتغيير خط السير المعتاد إلى المدينة وما إلى ذلك من وسائل الحذر والحيطة من أجل إنجاح دعوته وتبليغها إلى الناس وإنقاذ نسه هو وأتباعه م مكائد وشرور الأعداء .

وجوب التحسس من خطه الأعداء وتدل الآية المذكورة وغيرها من الآيات المماثلة العديدة وكذلك الأسوة الواضحة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم على ضرورة اتخاذ كل ما ينجي المسلمين من كيد الأعداء وعلى ضرورة كونهم متيقظين في كل الأحوال ويتحسسوا ما عند الأعداء من الخطط والمكائد ، ويتعلموا كيف يردون عليهم بحكمة ويقظة ، لأن ترك الحذر قد يفضي إلى إلقاء النفس إلى التهلكة وهو أمر لا يجوز في نظر الإسلام ، مع إمكان الاحتراز والأخذ بأسباب اليقظة والحذر .

الحذر والتوكل على الله

وأما الأخذ بأسباب الحذر واليقظة لا يعني مطلقا عدم الثقة بالله ولا ينافي التوكل عليه ، لأن المسلم يباشر الأسباب لأن الله تعالى أمر بها ، ودعا إليها ، ولكن قلبه معتمد على الله وحده ويعتقد أن لأسباب والمسببات بيد الله تعالى فهو الذي يهيئ السبب وهو الذي يوفق إليه ويجعله ناجحا وأن إمام المتقين وسيد المتوكلين رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وسائل الحذر في هجرته بل في شؤونه كلها وأمر أصحابه الكرام باتخاذ هذه الوسائل وأن ترك الحذر والابتعاد عن اليقظة قد يفوت على العاملين في مجالات الدعوة والإرشاد والأمر والنهي عن المنكر وإصلاح شؤون المجتمع وخدمة الوطن والمواطنين فرص النجاح وحرية الحركة ، وخاصة في الظروف الراهنة في كثير من البلدان في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا ، وقد أوضح إمام الهداة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة عمليا من خلال مراحل الدعوة المحمدية التي مرت بها ليكون نبراسا لأمته في جميع الأزمنة والأمكنة ، فأمر المسلمين بالهجرة من مكة إلى الحبشة فرارا بدينهم وتخلصا من أذى قريش . فدل ذلك على أن دفع البلاء أمر مطلوب إذا أمكن دفعه ، وأن تسليم المسلم نفسه للأذى والضرر حيث يمكنه الخلاص ليس بالأمر المشروع في الإسلام .

وعندما انسحب خالد بن الوليد بمن معه من جند المسلمين في معركة “مؤتة” ودخولهم المدينة المنورة وعاتبهم بعض المسلمين في المدينة ووصفوهم بالفرار الممنوع في ساحة القتال فقالوا : “يا فرار ، فررتم في سبيل الله ” فال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى ” . فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الانسحاب والتقهقر من جانب خالد وجنوده من ساحة المعركة وعودتهم إلى المدينة المنورة بنظرة بعيدة المدى في تاريخ الإسلام والفائدة المترتبة على ذلك الانسحاب ، إذ رأي في انسحابهم نوعا من النصر لتخلصهم من القتل وأذى المشركين والاحتفاظ بهذه القوة لكرة أخرى في معركة أخرى أكثر نفعا للإسلام والمسلمين . وهذا هو عين الذكاء ومنبع الفطنة وأما التطرف والتطيش والتهور فليس أمرا مقبولا ولا مسموحا في منظور الإسلام ولا في مفهومه !