(1) إنسانية الإسلام

الدعوة – 15 –مايو-1980 م – دلهي – الهند

إن القول الفصل في هذا الموضوع هو أن الإسلام دين الإنسانية كلها في جميع أطوارها وأقطارها ، وإن للإنسانية تطورات ومراحل من طفولة وكهولة وشيخوخة ، فيكون الدين الذي يجيء به نبي من الأنبياء في دور من أدوار الإنسانية صالحا لذلك الدور الذي وصلت إليه الإنسانية في ذلك الوقت ومحققا لمطالبها وأهدافها في ذلك الدور ، لأن الدين في نظر الإسلام نظام الحياة البشرية في جميع مرافق الحياة مع أن مهمة كل دين ، أولا و بالذات تصفية الأديان السابقة مما علق بها من خرافات وخزعبلات بأيدي الجهال أو المخرفين أو المغرضين ولبعد الناس عن تعاليمها الحقة أما لفقد أن المصلحين المرشدين أو لقلتهم أو للعناد من أصحاب الأهواء والمآرب الشخصية .

ومن هنا يتضح أن الأديان كلها حلقات متكاملة متراصة متكاتفة في سلسلة الأديان ، فالدين الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هو آخر حلقة من حلقات الأديان في الإنسانية ، وأن الأديان السماوية في مختلف عصورها كانت مهمتها – بعد التصفية المذكورة – تكميل الإنسانية بمبادئ تحفظ جميع مصالحها وتحقق أهدافها و تدفعها عن الأخلاق الرذيلة ، وتحثها على الأخلاق الفاضلة كل هذا بقدر ما تطيق الإنسانية في ذلك الدور الإنساني وفي تلك البيئة حتى وصلت الإنسانية إلى قمتها في الرقي العقلي و الوعي الإنساني ، فيكون الدين الذي يبعث به رسول الله في ذلك الدور دينا وصل إلى قمة الأديان في صلاحيتها وموافقتها لجميع التطورات الإنسانية وأدوارها وبيئاتها وأقطارها وتكون فيه حلول لمشاكل العالم كلها ، لأن الله سبحانه وتعالى قد بعث النبيين والشرائع جميعا برسالة واحدة في جوهرها وأصولها وغاياتها .

وأما مسألة وصول الإنسانية إلى قمتها في زمن بعثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من الرقي العقلي والروحي وإلى ذروة شبابها من القتوة والقوة ، وإلى منتهى استعدادها لتحمل رسالة منظمة كاملة شاملة ، صالحة لكل الأزمنة والأمكنة ، فيظهر ويتبين لكل من له إلمام عن حالة التطور الإنساني في بقاع الأرض كلها ، وعن مدى رقي الإنسانية في القرن السابع الميلادي ، ويضاف إلى ذلك أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة تجمع البشر كله وتقود الإنسانية كلها بدستور صالح لكل البيئات والتطورات وفي جميع مرافق الحياة ومتكفل بمصالح الإنسانية في المعاش والمعاد ثم تكفل بحفظه للناس كافة خالق البشر سبحانه وتعالى إلى يوم القيامة ، بقوله في القرآن الكريم : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون …

ولم يتكفل بهذه الكفالة لأية حلقة من حلقات لأديان قبل دين محمد عليه السلام فإذا كان هذا شأنه فهو حري ، بأن يكون خالدا وعاما ، آخر حالقة من سلسلة الأديان ، و أن يكون رسوله آخر نبي من سلسلة الأنبياء عليهم السلام .

(2) المبادئ التي قام عليها الإسلام

من أهم مبادئ التي قام عليها الإسلام وخلص بها العالم الإنساني من العبودية الفكرية والاعتقادية و الاختلافات الطبقية وأنقذه من الجهل والفقر ، فابعد عنه ويلات الحروب وشدائد الكروب :

أولا – صقل العقول الإنسانية بالإيمان بوجود صانع لهذا الكون ، والتوحيد في هذا الصانع الحالق العالم بجميع الأمور ، فلا يجري أمر في هذا الكون إلا بقضائه وأمره ومشيئته وإرادته ، وهو علام الغيوب وبتطهير العقول من أدران الخرافات والخزعبلات ، ونبذ كل ظن في إنسان ، أو مخلوق آخر علويا كان أو سلفيا ، بأن يكون له أثر في الكون من نفع أو ضر .

ثانيا – تقويم الإنسان بالكمال الروحي والنفس معا ، فلا يكتفي الإسلام بأحد الكمالين دون الآخر ، بل يوجب على العالم الإنساني كله أن يصل إلى كمالي الروح والنفس ، لأن الإنسان في نظر الإسلام مركب من شيئين : الروح و النفس ، فلا تكمل الإنسانية إلا بكمالين معا .

ثالثا – فتح باب الشرف والكرامة والسمو للأنفس كلها ، فلكل نفس حق السمو إلى الكمالات الإنسانية ما استطاع إليه سبيلا ، ونحو امتياز الأجناس وتفاضل الأصناف فلا تفاضل بين الأفراد والجماعات إلا بالعمل الصالح العام لخير الإنسانية كلها ولا فخر لأحد على آخر ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقى ، ولا حكم لأحد على أحد إلا تنفيذ أحكام خالق البشر ، وتطبيق القوانين الإلهية ، فالناس الإسلامي سواسية أمام القانون الإسلامي ، يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم .

“لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أبيض ، فالناس كلهم سواسية كأسنان المشط” .

ويقول يقول القرآن الكريم :” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أنقاكم إن الله عليم خبير” ، ثم يحدد فضل الإنسان ن مهما بلغ في الكمال النفسي والمالي والعلمي وغيرها ، في دائرة سعيه فيقول : “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى” .

رابعا – تعليم جميع طبقات الأمة تنوير عقولها بالمعارف والعلوم لا يترك فردا من الأفراد ولا طائفة من الأمة إلا أوجب عليها طلب العلم والتثقف بثقافات إنسانية عليا ، إيجابا لا مفر منه أمام حكم الإسلام ومبادئه ، ويقول الرسول الأكرم عليه السلام :”طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة” وهذا التوجيه ، يشمل كل مسلم و مسلمة بدون قيد ولا شرط ولا استثناء ، ثم يقول : “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، فتبين من هذا وذاك أن مهمة الإسلام – أولا وبالذات – تثقيف العالم الإنساني بثقافات فاضلة وتربيته تربية عالية وطبعه على الأخلاق المحمودة فيعلن القرآن الحكيم غرض بعثة محمد عليه الصلاة والسلام بدستور إلهي إلى العالم الحائر المضطرب بقوله ، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .

وعلى هذه الأركان الأربعة بني صرح الإسلام وبها خلص ذلك العالم الحائر الزاخر من المشاكل الحيطة به ، ولكل ركن منها الأثر البالغ في تقويم المدنية ، وتشييد بناء النظام ، وتدعيم السعادة الإنسانية في الدارين .