عناصر الخلود في دعوة الإسلام (2) فطرة الإسلام

الدعوة – 1 –يونيو-1980 م – دلهي – الهند

(2) فطرة الإسلام

الإسلام هو دين الفطرة كما أنه دين العقل والعلم ، وأن ميزة الدعوة الإسلامية أنها تخاطب العقل ، وكل ما يدعو إليه الإسلام من العقائد والأعمال والأحكام ليس منها ما ينافر العقل الصحيح ، ولا تاباه النفوس السليمة ، ومن ناحية أخرىأن القرآن قد حدد وسائل الدعوة إليه بالبرهان العقلي والإقناع السليم ، ومنع أي نوع من الإكراه إذ صرح القرآن “لا إكراه في الدين” .

وجاء الإسلام مصداقا لما اقتضت الفطرة السليمة ولم يزد في الاستدلال شيئا ، سوى أنه أيقظ العقول ونبهها إلى النظر في آثار الله تعالى فجاء وصف الخالق تعالى وإثباته بما يطابق مقتضى الفطرة والعقل ، ومن الآيات الواردة في ذلك “أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ، أإله مع الله بل هو قوم يعدلون” (النحل : 60) ، “من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل بين البحرين حاجزا ، أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون” (النمل : 61) “قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أو آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا” (فاطر ” 3) .

إن دعوة القرآن وجهت أولا وقبل كل شيء إلى الفطرة السليمة للإنسان ، فهو لم يدع إلى شيء إلى الفطرة السليمة للإنسان فهو لم يدع إلى شيء ليس في استطاعة العقل البشري أن يدركه ، وبعبارة أدق وأوضح إن الإسلام هو الدين الذي حطم فكرة الإيمان بغير المعقولات وإقام على أنقاضها الإيمان اليقيني المتحمل من طريق العقل والنظر ، والقائم عند حدود المسلمات العقلية وحكم الفطرة البشرية ، وإن الآيات القرآنية التالية لتساعد على إدراك هذه الميزة الكبرى للإسلام :”قل يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وأتاني رحمة من عنده ، فعميت عليكم ألزمكموها وأنتم لها كارهون” و “وقد بينا الآيات لقوم يعقلون” و “إنا أرسلنا بالحق بشيرا ونذيرا” و “لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل” .

وكان جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في كل زمان ومكان ، يدعون الناس إلى النظر في الظواهر الطبيعية المألوفة للاستدلال بها على صدق دعوتهم التي بعثهم الله بها ويخاطبون العقل والضمير ويدعونهم للنظر في السنن الكونية التي تسري في هذا الوجود ، وإذا أردنا ميزة الدعوة المحمدية وجب أن نفهم المعنى الحقيقي لكلمة الإسلام فهما صحيحا ، وهي لا تحمل اسم نبي أو داعية ولا يطلق عليها اسم “الديانة المحمدية” أو “الدين المحمدي” وتفيد كلمة “الإسلام” معنى “الانقياد التام لله تعالى وحده” و “الإذعان له دون سواه” . ويرح القرآن الكريم بمعنى الإسلام الحق مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم : “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك به وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ” (الأنعام : 162-163) .

ومن خصائص الإسلام أنه يشتمل علىى أبرز المزايا بالموجودة في الأديان العامة المتفقة مع أحكام العقل والأخلاق السليمة وأن صلاحية النظام الإسلامي لكل العصور والأمم واتفاقها التام مع أحكام العقل والفهم ،السليمين ، وخلوها من الأسرار التي تلقى ظلا من الجهل العاطفي حول السنن الكونية الفطرية ، كل ذلك يدل على أن الإسلام يحتل أسمي درجة من التطور الديني في الجنس البشري ، وأعلن القرآن أصوله باختلاف الأم وأصولها وأوزانها وأمكنتها وأنما الذي يختلف باختلاف هذا وذاك هو الأحكام الفرعية ، ويشير إليه قوله تعالى :”قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله” و قوله أيضا :” إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ..” .

ومن فطرة الإسلام أيضا أن صرف قلوب الناس عن التعلق بما كان عليه آباؤهم ونهاهم عن التقليد الأعمى ، فكفل الاستقلال لكل شخص في عقله وفكره وعمله ، وأعلن أن الإنسان لم يخلق ليقاد بالتقليد والتبعية ، ولكنه فطر علي أن يهتدي بالعلم والفكر ، وعاب على أرباب بعض الأديان في اقتفائهم أثر آبائهم ووقوفهم عندما اختطته لهم سير أسلافهم ونبه على أن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، وقد ذم القرآن هذه الظنون والأوهام إذ حكى قولهم :

“إنا وجدنا آباءنا على أمة وأنا على آثارهم مهتدون” ثم أعلن “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى” وكذلك قوله :”ولا تزر وازرة وزر أخرى” .

إن دعوة الإسلام تقوم على قاعدتين هامتين .

أولهما : تحرير العقول البشرية من الأعباء المصطنعة التي فرضتها القوانين البشرية أو العادات والتقاليد المتوارثة .

ثانيتهما : ضمان المساواة التامة بين أفراد الجنس البشري في الحقوق والواجبات الإنسانية وأن هذه الدعوة تتسم بالبساطة لا تكلف المرء أن يطيع أمر يتعذر عليه إدراكه أو تنفيذه ، وكذلك لا تعترف بامتيازات خاصة ولا بنظام الطبقات بين الأفراد والجماعات .

ويؤكد القرآن الكريم فطرية الإسلام الشاملة العامة بقوله :”فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون” .