ينبغي أن يكون الآباء قدوة حسنة لأولادهم

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 8-7-1986 م

إن القدوة الشخصية هي الأساس الأول والعامل الرئيسي في التربية في مفهوم المنهج التربوي الإسلامي كما أن علماء النفس والأخلاق والتربية قد أفاضوا في بيان دور القدوة والأسوة في تربية الأطفال وبناء جيل صالح قوي رشيد ، ومن هنا طالب الإسلام بكل قوة وصراحة ووضوح بأن يكون رب الأسرة على مستوى المسئولية والإحساس بالواجبات الملقاة على عاتقة تجاه أولاده وزوجته وأفراد أسرته ، بكل إخلاص وصدق وإيمان وشجاعة وصرامة ، وإلى هذه المسؤولية الكبرى المعنوية والمادية أمام ربه وضميره وأسرته ومجتمعه بل والإنسانية الرشيدة جمعاء يشير الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم فقال : “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤول عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته” (متفق عليه) .

وقد جاء هذا الحديث الشريف بيانا وتفسيرا لقوله تعالى : “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا” (التحريم : 6) .

إنما الأولاد أمنية المستقبل

لا شك في أن الأولاد لدى الجميع أمنية غالية لمستقبلهم وذخر مدخر لأمانيهم وآمالهم فمن الطبيعي أن يحافظوا على هؤلاء الأولاد فلذات الأكباد ، من كل سوء ، ويقدموا لهم ما ينفعهم في حياتهم ويجعلها سعيدة وهانئة ، وإذا كان أب رؤوف يخاف على أولاده عدوى الأمراض الجسمية فكيف لا يخاف عليهم عدوى الأمراض النفسية والخلقية والاجتماعية .

وإذا كان يخاف عليهم امتحان المدارس والجامعات الرسوب فيه فكيف لا يخاف عليهم امتحان يوم الحساب ومن السقوط في جهنم ؟ وإذا كان لا يرضى منهم عصيان أوامره فكيف يرضى منهم عصيان أوامر ربه وربهم ؟ ولهذا الأسباب ولغيرها أرشدنا الله سبحانه وتعالى بقوله : “قو أنفسكم وأهليكم نارا” ، وقد جاء في حديث آخر : “إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، حفظ أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ، وقال أيضا : “الزموا أولادكم ، وأحسنوا أدبهم” . وهذا الأمر يحتاج إلى يقظة شاملة وملازمة تامة ومسؤولية واعية ، والخطوة الأولى في هذا النوع من التربية السليمة تربية الأولاد على الأخلاق الفاضلة والقيم الروحية والعلم النافع وبناء شخصية مستقلة قوية ثابتة لا تميل مع الرياح الهائجة من هنا وهناك ولا تنهار أمام الشدائد ، ولا تهتز عند التشكيك والتضليل والتهويل ، ولا تنهزم أمام الفتن والإغراءات الحوفاء ، ولا تتأتى هذه التربية إلا بتكريس ضمائرهم على العقيدة الصحيحة ومراقبة الله الخالق الرازق العليم الخبير وأن تصبغ حياتهم بصبغة دين الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها كما قال تعالى : “فأقم وجهك للدين حنيفا ، فطرة الله التي فطر الناس لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون” (الروم : 30) ، وأن التزام الحياة الفطرية السليمة يحفظ الإنسان عن كل زيغ وزيف وتلال وتيه وحيرة ، ويعيش صاحب هذه العقيدة ، وهذا المبدء ، مرفوع الرأس ثابت القدم ، شريف النفس وكريم الأخلاق .

مغبة التناقض في مواقف الآباء

إن أول الواجبات الملحة على الآباء إن أرادوا تربية أولادهم تربية حسنة جادة ، وأن ينشؤوا جيلا صالحا نافعا لهم ولمجتمعهم ولوطنهم ، أن لا تكون مواقفهم متناقضة وأن لا تكون أفعالهم مخالفة لأقوالهم ، وأن لا تكون صورتهم مهتزة ومشوهة أمام أولادهم ! فليس من المعقول أن يأمر الأب أولاده بالصلاة وهو لا يصلي ويأمره بالصدق في الأقوال وهو يكذب أمامهم ، وينهاهم عن الفسق والفجور وهو يرتكب المعاصي والجرائم أمام أعينهم ، ويمنعهم عن صحبة السوء ومصادقة الأشرار ومجالسة العصاة ةالفسقة وهو يصاحبهم في كل مكان ويستضيفهم في المنزل ويكرمهم سرا وعلنا ، وينهاهم عن النفاق والمداهنة وهو غارق في هذه الأخلاق ، المشبوهة الضالة الشاذة ، وهنا يجب أن يستعيد هؤلاء الآباء وأولئك المربون إلى أذهانهم فحوى قوله تعالى ، هاديا ومرشدا : “يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتا عنتد الله أن تقولوا ما لا تفعلون” ، وأن هذا التناقض وهذا التذبذب في أقوال الآباء وأفعالهم ، وأوامرهم وعاداتهم ، يجعل الأولاد وخاصة الصغار منهم ، في حيرة ومتاهة فهل هم يتبعون أقوالهم أو أفعالهم ؟ ويأخذون بأوامرهم أو بقدوتهم .

ومن هنا طلب الإسلام من الآباء وأولياء الأمور ، ومن كل راع في مكانه ودائرته ، أن يربي نفسه أولا على ما يدعو الآخرين إليه ، وأن يكون قدوة حسنة فعلية لكل ما يطلب من الآخرين اتباعه وأن يكون صورة صادقة لأولاده إذا أراد تربيته على الصلاح والصدق ، وهذه هي التربية المثالية المبنية على أصدق الوسائل وأجداها وأكثرها ثمرة وأفعها نتيجة وبركة .