أولئك الذين أنعم عليهم

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 16-يوليو-1986 م

إن الاستقامة هي مدار الحياة السعيدة ومناط الفوز بالنعيم المقيم كما أنها مخ الدعاء في الصلوات المكتوبة على المؤمنين ليلا ونهارا إذ يدعو كل مسلم : “اهدنا الصراط المستقيم” لأن الصراط المستقيم هو الذي يوصل إلى مرضاة الله والنجاة في الدارين هو الخط السوي في الأمور كلها ، ومن هنا قد أمر الله سبحانه وتعالى خاتم رسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ” فاستقم كما أمرت” (هود : 111) ، كما قال تعالى : “وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وصاكم به لعلكم تتقون ” (الأنعام) ، وإذ يعرف الإنسان العاقل المؤمن أهمية اتباع الصراط المستقيم ودوره في إنجاحه في الدنيا والآخرة وفي تحقيق السعادة الأبدية له يتوق شوقا ويزداد حبا لمعرفة ذلك الطريق ليسير فيه على هدى ونور وبينة فبين الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين برحمة منه وفضله كيفية الوصول إلى ذلك الطريق بيسر وسهولة ووضوح إلا وهو صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين !.

فيبادر المؤمن في صلاته عقب التوجه إلى خالقه العظيم لأن يهديه إلى الصراط المستقيم فيقول : “صراط الذين أنعمت عليهم ” وعندما يلفظ بهذا الدعاء يتلهف قلبه إلى معرفة هؤلاء الذين هم قدوة له وأسوة في السير في معترك الحياة لئلا يضل ولا يشقى فقال جل وعلا في محكم كتابه : “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، ذلك الفضل من الله وكفى بالله وكيلا” (النساء : 70) .

1 – الأنبياء عليهم السلام

ذكر المفسرون في سبب نزول الآية السابقة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ، “إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك ، فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإني كرت موتي وموتك ، عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك” ، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية المذكورة .

وأن الأنبياء هم صفوة عباد الله وأن محبتهم من محبة الله ، وإن اتباعهم هو الوسيلة إلى نيل حب الله ومرضاته كما قال القرآن الكريم : “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ” وقال صلى الله عليه وسلم : “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، إن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار” (متفق عليه) ، ومن مظاهر محبة الله محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والرسل إذ هم تلقوا الوحي ، وبلغوا الرسالة وهو أضاءوا سبل الخير والرشاد للعباد وهداهم إلى الصراط المستقيم الذي ارتضاه لعباده المؤمنين .

2 – الصديقون

الصديقون جمع صديق ، قال العالم اللغوي المعروف الراغب : الصديق من كثر صدقه بل لا يكذب قط ، وقيل : من حقق صدقة بفعله ، وقيل أيضا : هو من يصدق قوله واعتقاده بفعله ، وأما الصديقون فهم دون الأنبياء في الفضيلة والدرجة عند الله ، وجاء في القرآن وصف مريم أم عيسى عليهما السلام بالصديقة فقال تعالى عنها : “وأمه صديقة” (المائدة ” 75) ، كما جاء في القرآن بشأن إبراهيم عليه السلام : “واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا” (مريم : 41) .

3 – الشهداء

الشهداء جمع شهيد ، وأما لفظ الشهداء (والشهيد) الوارد في القرآن حيث أمر الله المؤمنين اتباعهم أن يكونوا منهم في قوله تعالى : “لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ” (البقرة : 143) ، وغيرها من الآيات العديدة في سور أخرى من القرآن فهم أهل العدل والإنصاف الذين يضعون الموازين القسط للناس جميعا ، ويوزنون القيم والأعمال والأقوال بميزان الحق بالرأي الصائب ، ويرشدون الخلق إلى طريق قويم ومستقيم وعلى هذا المعنى جاء ذكر لفظ الشهداء في مكان آخر مقرونا بالقسط .

وأن إطلاق لفظ الشهادة والشهيد والشهداء على القتل في المعركة مع الكفار الذين يقاتلون ضد الإسلام والمسلمين إنما هو بمعنى أن الملائكة شهجت نقل روحه إلى الجنة أو لأن الله شهد له بالجنة ، وقيل : إن ملائكة الرحمة شهدت غسله وجدير بالذكر أن كلمة الشهيد الذي يطلق على القتيل في سبيل الله هو بوزن “فعيل” بمعنى ضيغة المفعول ولا يطلق عليه لفظ “الشاهد” ولا يجمع على وزن “الشهود” أيضا وهذا هو الفرق الدقيق بين الشهادتين في التحقيق اللغوي والشرعي .

4 – الصالحون

الصلاح عكسه الفساد والصالحون هم أصحاب الإيمان الصحيح الذي يدفعهم إلى العمل الصالح وهو الذين يقومون بالواجبات ويحتملون أعباء القيام بما تدعو إليه شريعة الله وسنة رسوله ولا يخالفون أوامر الله ورسوله ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر وهو المتقون أولياء الله عز وجل ، ويلازمون طاعة الله وطريق الاستقامة فما على الذين يرجون لقاء الله ويدخلون جنات النعيم إلا أن يسلكوا طريق هؤلاء الأربعة من الذين أنعم الله عليهم وحسن أولئ رفيقا في الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون .