نظام الإسلام : حياة الاستقامة

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 25-يناير-1987 م

إن الاستقامة هي قوام الكون وأساس النواميس الفطرية ولا بقاء لهذا الكون إلا بنظام التوازن والاعتدال كما صرح به رب الكائنات ، “الشمس والقمر بحسبان ، والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان” (الرحمن : 7) . وقال أيضا : “الذي خلقك فسواك فعدلك” (الانفطار : 7) . وأن أي اختلال في نظام التعادل أو التوازن في مجريات الشمس والقمر ودوران الأرض وتصريف الرياح وقوة الجاذبية أو مثقال ذرة من الزيادة أو النقصان في سرعة حركات الكائنات أو مقدار ذرة من الانحراف عن خط سير كل منها أو مداره الثابت ينهار نظام الكون وتنتهي الحياة فيه ، وأما نظام الاعتدال والتوازن فهو الاستقامة والتزام ذلك النظام هو حياة الاستقامة وهو طريق الفطرة إلى فطر الله الناس عليها وأمرهم باتباعها لتكون حياتهم قويمة وسليمة ، لأن أي انحراف عن الصراط المستقيم والطريق السوي يؤدي بالمنحرف إلى حافة الطريق المحفوف بالمطبات والمستنقعات المهلكة ، ومن هنا جاءت الهداية الإلهية للإنسانية لترشدها إن الصراط المستقيم وجعلت هذا الصراط مدار كل نجاة وسعادة في الدارين .

ويتبين لكل عاقل ذي فهم سليم أهمية حياة الاستقامة في مفهوم الإسلام من الحقائق التالية : الأولى – إن الدعاء الوحيد الذي أوجبه رب العالمين على عباده المؤمنين بأن يطلبوا به ولو سبع عشرة مرة كل يوم في الصلوات الخمس المكتوبة التي هي عماد الدين فمن أقامها أقام الدين ومن هدمها هدم الدين ، ألا وهو : “اهدنا الصراط المستقيم” ، وبعد مقدمات طويلة هامة وعديدة وإجراءات لازمة من الواجبات والشروط والسنن من الأقوال والأفعال وأعمال القلب جاء الطلب الوحيد في كلمات ثلاث فقط : اهدنا الصراط المستقيم ، وكفى لكل مؤمن عاقل أن يعي هذه الحقيقة الكبرى دليلا على أهمية التزام الصراط المستقيم في حياته .

والحقيقة الثانية – إن الخطوة الأولى نحو تحقيق حياة الاستقامة إنما هي معرفة حدود الصراط المستقيم ومعالمه البارزة ونظام السير فيد ، وقد أوضح كتاب رب العالمين في آياته البينات المعالم البارزة الواضحة لهذا اصراط فيقول : “إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم” (آل عمران : 51) . ثم يقول : “ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط متقيم” (آل عمران : 101) . وأما الصراط المستقيم فهو النظام الإلهي الذي أنزله رب العزة هدى للناس وفرقانا ، ثم بين طبيعة ذلك الصراط وكيفية السلوك فيه بدون انحراف واعوجاج وقوع في مطبات حافته أو منحنياته الخطيرة فقال : “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلك وصاكم به لعلكم تتقون” (الأنعام : 153) .

وأما حدود الصراط المستقيم فهي حدود النظام الذي اختاره رب الناس لهم لجعل حياتهم ناجحة وسعيدة والمصدر الأصلي والمنبع الحقيقي لمعرفة أصول وقواعد ذلك النظام هو القرآن والبيان العملي لرسوله الأمين فيقول مشيرا إلى هذه الحقيقة بكل وضوح وجلاء : “إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم” (التكوير : 28) .

وأما الحقيقة الثالثة ظن فبعد أن بين أهمية الصراط المستقيم في حياة الإنسان وأشار إلى حدود ذلك الصراط ، وإلى مصدر الاطلاع على تلك الحدود ومعالمها وقواعدها ، ومسموحاتها وممنوعاتها ، يهدي القرآن إلى عظيم شأن السالكين في هذا الطريق والملتزمين بحدوده دون طغيان وتطرف ، ودون انحراف عن خط الاستقامة فيه فيقول : “إن الذن قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون” (الأحقاف : 13) .

ثم يقول : “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون” (فصلت : 30) .

والحقيقة الرابعة – إن الاستقامة هي مدار الاعتبار والصحة في أعمال القلب والجوارح ، فالإيمان يجب أن يكون قائما بالقسط والحق وبمقتضى الفطرة القويمة وهو الإيمان بوجود الخالق الرازق الحكيم وبوحدانيته في ألوهيته وربوبيته وفي صفاته وأسمائه ، لأنه ليس كمصله شيئ وهو السميع البصير ، ولم يكن له كفؤا أحد ، وأن الانحراف عن جادة التوحيد الحالص إنما هو انحراف عن الإيمان المستقيم ، ولهذا يقول القرآن : “وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم” (يس : 61) . وإن الشرك في الإيمان أو العبادة خروج عن الاستقامة .

وأن الاستقامة في الإيمان يجب أن تتبعها الإستقامة في الأعمال كلها فيقول رب العزة :” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هو يحزنون” (الأحقاف : 13) .

ويقول أيضا : “وأن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ” (الحج : 54) . وأن دعوة الإسلام جملة وتفصيلا ، شكلا وموضوعا ، قولا وفعلا هي الدعوة إلى حياة الاستقامة في كل شيئ وفي كل لحظة من عمر الإنسان ، وهي بالاصطلاح العلمي والعرف المنطقي حياة الفطرة السليمة بلا إفراط أو تفريط ، وبلا مغالاة أو تهاون وبلا إسراف أو تغيير وبين ذلك قواما “فلذلك فادع واستقم كما أمرت” (الشورى : 15) .

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا” (هود : 112) .

من الهدي النبوي

سئل النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك ، قال :”قل آمنت بالله ثم استقم “(رواه مسلم) .

من الأدعية المأثورة

“ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا” (آل عمران : 8) .