مصدر أسباب القوة لأمة الإسلام

مصدر أسباب القوة لأمة الإسلام

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 26-يناير-1987 م

إن الإسلام دعوة إلهية فطرية للإنسانية كلها وأن النظام الذي يقدمه لها إنما هو نظام عام وشامل ومتكامل بحيث يحقق للمؤمنين الذين يتمسكون به ويتخذونه منهجا لحياتهم ونبراسا لتصريف أمورهم ، ومصدرا أساسيا ومنيعا أصيلا للأحكام واللوائح والمبادئ التي يطبقونها في شؤون الحياة كلها ، والعزة والكرامة والقوة والمكانة في مرافق الدنيا والمثوبة والسعادة في الآخرة ، وبفضل هذا النظام وحده ستكون هذه الأمة المؤمنة خير أمة أخرجت للناس بين الأمم الأخرى ، وإذا تخلت عن مبادئ هذا النظام الفطري الذي اختاره رب العباد ليكون مدار الخيرية فتنقلب صفة “خير أمة” إلى “شر أمة” بمنطق المفهوم السليم .

القواعد الإسلامية لبناء الأمة

لقد بنى المجتمع الإسلامي الأول كيانه على قواعد متينة من القيم والمبادئ المنبثقة من النظام القرآني الفطري الذي وضعه خالق البشر العالم بطبائعهم وسرائرهم والمدرك بحاجاتهم ورغباتهم وأهم تلك القواعد :

الأول : الإيمان بوجود خالق الكون وبقدرته وبتصرفاته في شؤون الكون كلها ، والثاني : التسامي بالنفس الإنسانية ، والثالث : تقرير عقيدة الدار الآخرة والثواب والعقاب ، والرابع : إعلان الأخوة بين الناس كلهم ، والخامس : النهوض بالرجل والمرأة معا والتكافل والمساواة بين جناحي الأمة في الحقوق والواجبات ، كل في دائرة تخصصه ، والسادس : تأمين المجتمع بتقرير حق الحياة والملكية والعمل والصحة والعلم والأمن لكل فرد وتحديد موارد الكسب ووسائله المشروعة ،, السابع : ضبط وتنظيم الغرائز النفسية من حفظ النفس وحفظ المال وحفظ الأعراض وغيرها ، والثامن : محاربة الجرائم بجميع أنواعها ، والتاسع : تأكيد وحدة الأمة والقضاء على كل مظاهر الفرقة وأسبابها ، والعاشر : التضامن الوثيق بين الحاكم والمحكوم ، والدولة والشعب .

ومن تتبع الأحكام الشرعية الإسلامية في مختلف أبوابها ، من عقائد وعبادات ومعاملات وعقابات ، واستقراء الحكم التشريعية التي شرعت لأجلها تلك الأحكام يجزم بأن الغاية منها تحقيق مصالح الإنسانية وإقرار العدل والإنصاف بين بني البشر ، وتأسيس السلام والنظام والاستقرار في العالم ، وأن مصلحة أي فرد أو مجتمع تتكون من عناصر ثلاثة :

أولا – أمور ضرورية لا تقوم حياة الفرد أو المجتمع إلا بها .

ثانيا – أمور حاجية لا تتيسر الحياة وتخلو من العسر والحرج إلا بها .

وثالثا – أمور كمالية لا تكمل الحياة وتتم إلا بها ، وقد كفلت الشريعة الإسلامية كل واحد من هذه العناصر الثلاثة بنوعين من الأحكام : (1) أحكام توجبه وتحققه (2) أحكام تصونه وتحفظه ، وبهذا النظام الإلهي الفطري كفلت مصالح الإنسانية كلها .

وأشار القرآن الكريم إلى أن الهدف من مبادئه وتعاليمه وإرشاداته هم السير بالناس وإتمام النعمة عليهم وإقرار الأمن والنظام في المجتمع الإنساني كله فيقول : “ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم” (المائدة : 6) .

من عوامل الوحدة الإسلامية

وكانت الوحدة بكل معانيها ومظاهرها تشمل ذلك المجتمع المثالي ، فالوحدة الفكرية شاملة بتعاليم القرآن ، والوحدة الاجتماعية شاملة في ظل الأخلاق والمعاملات والتصرفات المنبثقة من القيم الإسلامية الفطرية ، والوحدة اللغوية كانت قوية تحت مظلة لغة القرآن الأحاديث النبوية ، والوحدة السياسية كاملة في ظل الخلفاء الراشدين والأمراء المؤمنين ، حتى كان الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول : “لو ضاع مني عقال بعير لوجدته يفي كتاب الله ” وهكذا كان إيمانهم بنظام الإسلام ، وعزمهم في تطبيق مبادئه ، ومدى رغبتهم في نشرها بين الناس ، فكان الجميع يعملون بعقيدة واحدة ، وبتوجيه واحد ، ولهدف واحد .

وطارد ذلك المجتمع المثالي ، بفضل هذه المبادئ القرآنية الوثنية المخرفة في جزيرة العرب وبلاد فارس ، فقضت عليها ، وطارد اليهودية الماكرة فحوتها في نطاق ضيق ، وصارع المسيحية المنحرفة حتى انحسر ظلها في قارتي آسيا وأفريقيا ، وانحازت إلى أوروبا في ظل الدولة الرومانية ، وقد اكتمل واستقر السلطان الروحي والسياسي للدولة الإسلامية في القارتين العظيمتين – آسيا وأفريقا – وقامت بمد فتوحاتها إلى القارة الأوروبية ففتحت القسطنطينية من الشرق ، وفتحت الأندلس من الغرب ووصلت جنودها المظفرة إلى قلب فرنسا وإلى شمال وجنوب إيطاليا ، وأقامت في غرب أوروبا دولة شامخة البنيان ومشرقة بالعلم والعرفان ، وتمخرت أساطيل العرب المسلمين عباب البحرين الأبيض والأحمر فصار كل منهما بحيرة إسلامية وقبضت قوات الدولة الإسلامية بذلك ، على مفاتيح البحار في الشرق والغرب وهكذا تمت السيادة البرية والبحرية للأمة العربية الإسلامية وكل هذا أوذاك في غضون فترة قصيرة من الزمن لم يسبق له مثيل في تاريخ الأمم والدول والحضارات منذ بدء الخليقة .

وهذه حقائق واقعية سجلها التاريخ بمداد من النور ، واعترف بها كل باحث منصف ، وعالم مدرك ، وتشهد بها صفحات الكتب الموضوعة في شتى اللغات .