نشر اللهجة العامية يفرق الأمة العربية (2)

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 22-مارس-1987 م

إن التعبير عن الأهداف الإنسانية الذهنية والفكرية يتطور أمرها بتطور نضج الإنسان ونضج عقله وترقي تفكيره واللغة بهذا المعنى من خصائص الإنسان وحده دون سائر المخلوقات الأرضية الحية الأخرى ، وما أعظم منه من الله على الإنسان حيث يقول : الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان” .

إن لغة البشر مقدرة على الإبداع والابتكار والمقاطع التي تنطقها هي تأثيرات صوتية طبيعية تستقبلها الأذن لكنها مرتبطة بأعضاء النطق فلا تستطيع أن نعرف حركات الأعضاء النطقية إذا صرفنا النظر عن التأثير الصوتي .
والصوت – إذن – أداة للفكر وأن اللغة في كل لحظة نظاما ثابتا وحركة متطورة ولها في مجموعها أشكال كثيرة متضاربة لأنها في مجالاتها المتعدة مادية وعضوية ونفسانية ، وكما أن اللغة بصفتها المذكورة من خصائص الإنسان فإنها غاية منشودة في حياته الفردية والاجتماعية .

ن اللغة العربية هي من أقدم اللغات وأغناها على الإطلاق ولأسرار وحكم ويعلمها خالق البشر والقوى اختار هذه اللغة وعاء لكتابه الخالد ، قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين، (الشعراء : 192 – 195) وكانت اللغة العربية قد بلغت قبل البعثة المحمدية أوج كمالها في التعبير البليغ السامي عن جميع مقومات الحياة وأوج مجدها في الفصاحة والنتاج الأدبي شعرا ونثرا ، وظهرت روائع إنتاجها في الأشعار والأمثال والقصص .

ومن نزول القرآن في هذه اللغة ارتفع شأنها وأصبحت اللغة السائدة فضلا كبيرا على نشر حضارة الفكر العربي الإسلامي وتقدم العلوم والفنون والآداب المختلفة ولأجل القرآن ظهرت علوم القرآن كلها كما ظهرت علوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة التي كانت أساسا لتفسير نصوص القرآن وفهمها ، ومن أجله أيضا ظهرت علوم منهجية مثل علوم التاريخ والأخبار والأسانيد وغيرها ، كما تقدمت تطبيقا لتعاليم القرآن واستحدثت علوم الطب والكيمياء والاجتماع وعلوم أخرى تابعة لدراسة القرآن مثل التجويد والتلاوة إلى جانب علوم عديدة إسلامية .

ويتضح من هذا كله مدى طاقة اللغة العربية لما تمتاز به من قوة بيانها وأصالة ألفاظها وأصواتها وموسيقي كلماتها ووفرة معانيها ولما كانت العلوم الإسلامية كلها تقوم على المبادئ القرآنية والسنة النبوية فيجب من مناهلها الفياضة الأصلية ألا وهي نصوص القرآن والحديث النبوي فلا يتحقق هذا الهدف المنشود إلا عن طريق اللغة العربية الفصحى التي هي وعاءها الأصلي ، ولذا رجعنا إلى نصوص القرآن وجدنا أن اللغة العربية هي مركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن إذ جاء فيه :”إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون” و “كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون” و “أفلا يتدبرون القرآن أو على قلوبهم أقفالها” .

وأن وعاء القرآن والعلوم الإسلامية هي اللغة الفصحى المطلقة ، وأن دراسة القرآن والحديث تحتاج إلى اللغة العربية لما فيها من معان سامية ومفاهيم أصلية ، وإذا قدمت معاني القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية مترجمة إلى اللغات الأجنبية فتعوزها روح الأصالة وروعة النصوص التي ينوط بها إعجاز القرآن وكذلك غزارة المعاني التي تمتاز بها اللغة العربية الفصحى ومن ناحية أخرى أن نشر اللغة العربية بين الشعوب الإسلامية في مقدمة الوسائل الفعالة التي تساعد على إيجاد التقارب الفكري بين الأمة الإسلامية لأنها تحمل في طياتها القيم الروحية التي يمنحها الإسلام لكل مسلم كما أن فيها روح الألفة والمودة والأخوة التي تربط بين قلوب المسلمين برباط وثيق .

ومنح الله سبحانه وتعالى للمسلمين هذه اللغة لتحقيق التفاهم والترابط بينتهم في أنحاء الأرض ، بحيث يسعى كل مسلم لأن يقرأها ويفهمها بل ويتحدث بها ، وأنها أيضا الوسيلة الأولى لنشر الدعوة الإسلامية .

ومن هنا يمكن أن تقول أن اللغة العربية الفصحى تربط بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها برباط فكري ولفظي لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهر اللفظي وأن إعجاز القرآن منوط باللغة العربية ، وأن اللغة العربية بطاقتها وتراثها لجديرة بأن تكون وسيلة للتفاهم بين الشعوب المسلمة في كل مكان وعونا على المحافظة على الوحدة الفكرية والمظهرية بين أفرادها وجماعاتها ، وأن الوحدة الفكرية بين المسلمين تلعب دورا هاما في هذه المرحلة الحرجة الخطيرة التي تمر بها العالم العربي الإسلامي .

ويمكن تلخيص أهمية نشر اللغة العربية الفصحى في البلدان الآسيوية والأفريقية والأوروبية والأمريكية في النقاط التالية : –

1 – أن هناك خطة خفية لنشر الفرقة بين المسلمين بالانتزاع من أيديهم جعل اللغة العربية الفصحى الذي يعتصمون به جميعا ، فحينئذ يسهل تشويه تعاليم الإسلام بين من لا يعرفون اللغة العربية ، عن طريق كتب ومنشورات ومطبوعات عن الإسلام بغير اللغة العربية يراد بها القضاء على الإسلام معنويا وفكريا بتشويه تعاليمه وبث السموم الفكرية بين أتباعه وكذلك بلهجات عامية عليه لمختلف البلدان العربية فتختلف التراكيب اللفظية والأصوات الأبحدية .

2 – إن اللغة العربية تلعب دورا هاما وفعالا في مواجهة التحديات المعاصرة لأن انتشارها بين المسلمين المنتشرين في أنحاء العالم يساعدهم على تفهم دينهم كما حقه وتمسكهم بطاقتهم الروحية الموحدة .

3 – أنها تساعدهم على استعمالها في التفاهم المتبادل فيما بينهم حتى يتيسر إيجاد تجارب مشترك يمكنهم من مقاومة التخريب الفكري التي تمارسه الجهات المغرضة ، لتشويه تعاليم الإسلام الحقة وتقطيع ذلك الرباط الذي يربط بين أبناء الأمة الإسلامية برباط فكري وروحي .

4 – أن اللغة العربية الفصحى هي وعاء القرآن الكريم ومركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن والسنة النبوية والعلوم والآداب الإسلامية كلها ، وأن الهروب وراء العامية واتخاذها طريقة التعليم أو القراءة والكتابة يجعل المجتمع العربي العام في معزل عن أصالة اللغة العربية مرور الأيام .

(يتبع)