نشر اللهجة العامية يفرق الأمة العربية (1)

الخليج اليوم – قضايا إسلامية السبت 21-مارس-1987 م

يجب اختيار اللغة الفصحى منطلقا للتفاهم والتعامل بين العرب جميعا لعدو أسباب علمية وحضارية وعملية ومنهجية وفيما يلي مجموعة من هذه الأسباب .

أولا : إن العامية تختلف من بلد إلى بلد بل ومن منطقة إلى منطقة في كل قطر عربي وإنما هي صورة أو صور من الكلام تحمل ثناياها فوارق عديدة واختلافات شتى ، سواء في الحروف أو النطق أو التراكيب الكلامية بحيث تخلو من خاصة الوحدة اللغوية التي تمثل العرب من حيث المجموع كأمة واحدة ، ومن هنا تعجز هذه العاميات من سد حاجات المتعلمين الأجانب في الإطار العربي العام وتظهر هذه النتيجة واضحة حينما ينتقل المتعلم الأجنبي من بلد عربي إلى آخر بل ومن منطقة إلى أخرى في دولة عربية واحدة .

وثانيا : إن الفصحى هي التي تلبي أغراض المتعلمين الأجانب وتوفي بحاجاتهم على المدى البعيد والنطاق الواسع بحيث لا يصعب عليهم الاستماع إلى أي عربي وفي أي بلد والتفاهم معه في صورة موحدة أو شبه موحدة ، ولا يتعبون في فهم العاميات المختلفة ذات السمات المحلية الخاصة ببلد عربي دون آخر وأما الفروق الصوتية والاختلافات في نطق بعض الحروف فيستطيع المتعلم الأجنبي المتمكن في اللغة الفصحى العامة أن يدرك تلك الفروق بمجرد أن يستمع إلى الكلمة أو الجملة منطوقة في إطار القواعد العامة ، وأما العاميات فيحتاج الدارسون الأجانب لفهمها إلى أن يتعرفوا على المفردات والتراكيب المختلفة مع تحديد بيئة وبلد كل منها .

فمثلا : هل العامية المصرية ؟ أو الجزائرية ؟ أو العراقية ؟ وما إلى ذلك ، وهذه التساؤلات تدل على صعوبة أو استحالة هذه المهمة ، ولو اخترنا نظام تقديم بعض اللهجات العامية إلى جانب الفصحى أو الفصحى لمجموعة والعامية لأخرى فإن هذا المنهج يؤدي إلى اضطراب في العملية “التعليمية” وعرقلة لاستمرار الوحدة المنهجية للتعليم في مراحله المختلفة ولو اخترنا عامية لسبب من الأسباب أو نظرنا لظروف خاصة لمجموعة من المتعلمين فتكون فائدتها مقصورة على فترات زمنية محدودة وعلى بيئات عربية ضيقة وعلى حالات معينة ، ولا يحقق هدفهم العام بعيد المدى من تعلم اللغة العربية .

ورابعا : عرفناان اللغة العربية الفصحى هي الوعاء الحقيقي للقرآن والسنة والعلوم الإسلامية فإن الدارسين للغة العربية من أجل فهم القرآن والعلوم الإسلامية ليواجهون مشكلات أساسية كبرى وعديدة لو قدمنا إليهم اللهجات العامية أو الخليط منها ومن الفصحى ، وجدير بالذكر أن الفصحى ما زالت – لا تزال – منهل العلوم والفنون والآداب على رغم الجهود الفاشلة لبعض الأشخاص المغرضين أو اللهجات المغرضين لنشر العامية كتابة وقراءة والواقع أن للغة العربية الفصحى ما تزال بفضل القرآن الكريم والعلوم الإسلامية والأدب العربي والإسلامي الرائع المدون في أمهات الكتب باللغة الفصحى القديمة والمعاصرة تنتظم مجموعة الخواص الأساسية للغة العربية فجميع قواعدها ثابتة ومحددة بحيث يسهل فهمها وتناولها والتعايش مع التدريبات اللغوية وفقا لقواعد الأعراب وقوانين نظم الكلام وأحكام الكتابة العربية .

وخامسا : إن في اختيار الفصحى منطلقا لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين خدمة عظيمة للإسلام والمسلمين فإن الفصحى هي دعامة كبرى لوحدة كيان العالم العربي والإسلامي وفيه أيضا خدمة لمقوماته الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية وإن اختيار الفصحى في جميع مراحل التعليم فيه إنصاف لواقع العالم العربي الذي ينتظم تحت إطار واحد من العقيدة والدين واللغة والثقافة والتاريخ والموقع الجغرافي والمصير بصفة عامة ، وإن في تقديم العامية في التعليم ، أو التعامل الاجتماعي أو الثقافي مجانية للصواب ومخالفة للواقع المحسوس ، وأضع إلى ذلك أن اللغة العربية الفصحى إنما هي همزة الوصل ونقطة الالتقاء بين أبناء العالم العربي وبين مئات الملايين من المسلمين في البلدان غير العربية بصفة كونها لغة القرآن ولغة العبادات ولغة العلوم الإسلامية .

وخلاصة ما تقدم وجوب الإصرار على نشر اللغة العربية الفصحى بهدف الوصول إلى صيغة لغوية موحدة وعامة في الإطار العربي العام ، بحيث تنتظم الخواص العربية ، الأصلية المشتركة ، وتخلو بقدر الإمكان من الاختلافات المحلية الخاصة ببلد عربي دون آخر ، سواء في النطق أو اللهجات أو المفردات أو التراكيب ذات السمات المحلية .

(يتبع)