مهمة أئمة المساجد وخطباء المنابر في العصر الحاضر

الخليج اليوم – قضايا إسلامية -1987 م

يمكن لنا القول في ضوء الإرشادات الربانية ، والإرشادات النبوية ، وفي نور سيرة السلف الصالحين إن للمساجد ، في حياة المجتمع الإسلامي ، ثلاث مهمات رئيسية فالأولى : نشر الإشعاع الروحي بين المؤمنين المرتادين فيها ، والثانية : تقوية الروابط الأخوية بين أفراد وجماعات الأمة الإسلامية ، والثالثة : تذويب الفوارق الطبقية بين الناس وتدعيم أواصر المساواة والأخوة بينهم .

وهكذا كان دور المساجد في بلاد المسلمين في كل زمان ومكان ، وكانت تقوم بمهمة تربية الأمة الإسلامية على هذه المبادئ الإنسانية الفطرية التي جاءت الرسالات السماوية كلها لترسيخ هذه القيم في المجتمع الإنساني ، ومن هنا كان حرص خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين في أول عهده صلى الله عليه وسلم من بناء مجتمع إسلامي وإقامة دولة إسلامية عقب وصوله إلى المدينة المنورة ليتخذها عاصمة دولة الإسلام الأولى ، ومركز المجتمع الإسلامي الأول ، على بناء المسجد قبل بناء المسكن ، وقد وضع في ذلك المسجد اللبنات الأولى لتكون أمة الإسلام القائمة على القواعد المذكورة وهي ، رسالة الإيمان والعلم ، ورابطة الأخوة الإسلامية وعدالة المساواة الإنسانية ، وكذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة المساجد في كل مكان يحل به المسلمون حتى يقوم بهذه المهمات وبنشر هذه المبادئ والقيم بين الناس .

وبفضل أداء المساجد رسالتها كاملة صارت مراكز الإشعاع الروحي الأخوي لجميع فئات الأمة الإسلامية حيث تجري فيها تقوية روح الأخوة والمساواة وإشعار كل من يرتادها أنه عضو من أعضاء لجسد المجتمع الإسلامي الواحد فلا فرق بين فرد وآخر أمام الرب الواحد والكتاب الواحد والمصير الواحد والموفق الواحد يوم الحساب إلا بالتقوى والعمل الصالح فيتلاشى الشعور الطبقي والإحساس القلبي والإعجاب المالي أو العلمي أو العنصري ، فكلهم في ذلك الموقع أمام ربهم الخالق وقد اجتمعوا في بيته خاشعين عابدين ذاكرين لآلائه ونعمائه .

ومن أفدح ما أصيب به المسلمون في العصور المتأخرة أو المختلفة روحيا وفكريا وحضاريا ، أن ينقل بعض أئمة المساجد وخطباء المنبر ، خلافتهم المذهبية وآرائهم السياسية ومنازعاتهم الاجتهادية حول بعض المسائل الفقهية الجزئية أو القضايا الفرعية التي لا تمت إلى أصول الإسلام وأركانه العامة بصلة إلى منابر المساجد واتخذوا الخطب أيام الجمع وكذلك المواعظ والدروس الدينية التي يلقونها حينا فآخر ، لإثارة المسائل الفرعية التي نشأت حولها الخلافات الاجتهادية المذهبية بين بعض العلماء المتعصبين أو المتفيهقين ، علما بأن هذه المسائل لجزئية التي تتعلق غالبا بالسنن والنوافل ، لا تهم جماهير المسلمين وعامتهم الذين يحضرون المساجد أيام الجمع أو الدروس الدينية للتوعية العامة ، وتناقش بين العلماء والفقهاء المعنيين وفي مجالسهم العلمية .

من أوجب واجبات أئمة المساجد وخطباء المنابر في هذه الأيام التي تحترق فيها معاقل المسلمين بنيران الحروب الطائفية والمذهبية أن يبعدوا بيوت الله من تلك الفتن وهذه المحن المدحقة بأمة الإسلام .