رسالة الأمة الإسلامية في العالم

الخليج اليوم – قضايا إسلامية -1987 م

ن الأمة الإسلامية هي ذات هدف معين في الحياة وصاحبه رسالة كاملة في العالم ، وأن حضارتها وثقافتها وكفاحها وإنتاجها وكل ما يتصل بها من حركة ونشاط ، خاضع لمبادئها وغاياتها ورسالاتها ، وهي بالمفهوم الواضح الصحيح صاحبة الرسالة الإنسانية الجامعة المثالية التي أتى بها خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، مختتما ومكملا لحلقات الرسالات الإلهية للبشرية ، ويجب ان تسيطر هذه الرسالة على جميع مواقف الأمة الإسلامية وتصرفاتها في كل المرافق في الحياة البشرية .

وأن مركز هذه الأمة في ضوء إرشادات ومبادئ تلك الرسالة إنما هي مركز التوجيه والإرشاد والقيادة الثقافية والحضارية والفكرية وليست مركز التقليد الأعمى والانبهار الأحمق بكل ما يأتي من الغرب أو الشرق بدون تعقل وتغربل لما فيه من الأحابيل والأباطيل والتخاريف والأضاليل ، من خلال وسائل الإعلام الخادعة والمزيفة للحقائق والمفسدة للأخلاق والملهية عن المصالح الذاتية والمقومات الحضارية للأمة المثالية .

ويعلن القرآن الحكيم بكل قوة وصراحة هذه الغاية وتلك الرسالة لأمة الإسلام فيقول :”كنتم خيرر أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” (آل عمران : 110) . ويقول أيضا : “كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” (البقرة : 143) . وحينما يأمر الإسلام أمته بالكفاح في سبيل الحياة والعلم والطبيعة ، للغايات الكريمة ولصالح البشرية وخدمة الإنسانية كلها يطلب منها أن تستخدم كل قواها وجهودها ومواهبها وجميع رسائلها وذخائرها لتكوين المجتمع الصلح ، وإخراج الناس من ظلمات الجهل والأوهام والخرافات إلى نور العلم والعقائد الصحيحة والمفاهيم السليمة لمجريات الأمور في هذا الكون ، طبقا للقوانين الفطرية التي فطر الله الناس عليها بعيدة عن طغيان المادة على النظرية الحضارية وبهتان الأساطير في مصائر الناس .

وأن غاية هذه الرسالة هي الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيقول القرآن : “ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب الناس أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب” (البقرة : 201) .

وخير ما يمثل موقف الأمة الإسلامية من هذه الحياة ، هي الجملة الحكيمة المأثورة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في إحدى خطبه الجامعة :”إن الدنيا خلقت لكم أنكم خلقتم للآخرة : فالمسلم يجمع بين الانتفاع بمرافق الحياة وأسباب الدنيا واستخدامها كشيئ خلق له وسخر له وبين السعي للآخرة والكفاح لها كغاية خلق لأجلها ، وهنا تتعارض النظرية الحضارية الإسلايمة مع النظرية الحضارية المادية البحتة التي تبني على أساس أن هذه الحياة الدنيا هي كل شيئ وهي المنتهى ، مع المبالغة في الحرص على اقتنائها والتهافت على كنوزها والمبالغة في تمجيدها ، وهذا التوازن وذاك التوجيه أساس النجاة في معترك الحياة .