مكانة فلسطين في العالم العربي والإسلامي في ضوء التاريخ واللغة والدين

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 9-يناير-1986

(دراسة وتحقيق)

– فلسطين بلد عربي أصيل منذ فجر التاريخ ، وسكنه العرب المناذرة والغساسنة منذ أقدم العصور .

– اسم “أورشليم” ماخوذ من لغة العرب الكنعانيين قبل بني إسرائيل .

– كانت فلسطين مكان ميلاد إسماعيل بن إبراهيم جد العرب الأول ، وهما رفعا الكعبة بمكة المكرمة .

– كان القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كما أنه ملتقى الإسراء

والمعراج نبض القرآن والسنة .

– لم يكن أي يهودي في فلسطين قبل عام 1880م .

كانت فلسطين منذ فجر التاريخ جزء من المنطقة التي يطلق عليها اسم الشام في التاريخ القديم ، والتي تضم الآن سوريا ولبنان الأردن وفلسطين ، ولن تظهر الحدود الإقليمية لفلسطين إلا سنة 1916م عندما عقد اتفاق استعماري لتقسيم البلاد العربية بين إنجلترا وفرنسا ، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى ، ومن الثابت من الحقائق التاريخية والأرقام الرسمية ومن الدراسات المحايدة أن فلسطين أرض عربية وملك للعرب بنفس المعنى الذي تعتبر فيه انجلترا ملكا للإنجليز وفرنسا ملكا للفرنسيين وجاء في تصريحات الوكالة اليهودية ذاتها أمام الأمم المتحدة وغيرها أنه لم يكن أي يهودي في فلسطين قبل عام 1880م .

تحقيق حول أسماء القدس

ذكر الدكتور إسحق موسى الحسيني الذي هو حجة في المسألة الفلسطينية في بحثه عن أسماء بيت المقدس :”ولهذه المدينة المقدسة أسماء كثيرة وردت في كتب المؤرخين والجغرافيين ومنها “يرد سليم” و “يرد شالايم” و”شلم” وشيلم” و”سلم” و”يبوس” و”صهيون” و”إيليا” و”بيت المقدس” و”القدس” وما إليها ، وتذكر معاجم الكتاب المقدس أن أقدم اسم للمدينة ورد في نصوص الطهارة المصرية في القرن التاسع عشر قبل المسيح بصورة “يورد شاليم” وكانت يومذاك مركز العبادة الكنعانيين الذين سكنوا البلاد قبل بني إسرائيل ، إذن ليس صحيحا ما تزعمه الصهيونية من أن اليهود هم الذين أسسوا “أوشليم” فالثابت علميا أن هذا الاسم مأخوذ من لغة الكنعانيين .. الاسم مركب من كلميتين : “يوري” ومعناها “مدينة” و “شليم” وهو اسم إله كان الكنعانيون يعبدونه .

ومما يؤيد هذا الرأي ورود الاسم في رسائل “تل العمارنة المصرية الفرعونية ” في القرن الرابع عشر قبل الميلاد باسم :”يورد شالم” ثم بعد ذلك في النقوش الأوشورية “أورد سليمو” ثم “شاليم” التي جاء ذكرها في سفر التكوين أو أسفار العهد القديم بمناسبة قدوم “أبرام” (إبراهيم) العبراني إلى أرض الكنعانيين ، وعلى كل حال فالاسم كنعاني قديم ، والمدينة كنعانية قديمة وجدت قبل داود بنحو تسعمائة سنة وبداية الاسم بالياء بالعبرية مطابق للنطق الكنعاني وبدايته بالهمزة على وفق النطق الأوشوري والشرياني والعربي وبيت المقدس وهو الاسم الذي شاع بعد الفتح الإسلامي ومعناه “بيت المطهر” الذي يتطهر به من الذنوب ، وفي النص العربي “مدينة القدس” وفي إنجيل “متى” “المدينة المقدسة” ويضاف إلى أن “بيت المقدس” يرد في المصادر العربية مرادفا لمسجده . . .

و أما اسم “القدس” فمأخوذ من اللغة العربية الحديثة بعد الفتح الإسلامي وقد ثبت من البحث المذكور أن فلسطين بلد عربي أصيل منذ فجر التاريخ أسماءها عربية أصلية عريقة .

موطن العرب منذ أقدم العصور

لقد كان “المناذرة” يقيمون فلسطين في عصور الفرس ، كما أقام فيها “الغساسنة” في عصور الروم ، هذا قبل ظهور الإسلام بزمن بعيد ، ولما جاءت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتحت فلسطين للعرب مرة أخرى وقام البطارقة المسيحيون من عند أنفسهم بتسليم مفاتيح بيت المقدس إلى عمر خليفة المسلمين ، كأن قطعة من الأرض العربي الإسلامية ، كما أثبت التاريخ وإجماع الناس ، وفضلا من أنها موطن جد العرب ومنتهى رحلة الإسراء ومفتتح رحلة المعراج لمحمد صلى الله عليه وسلم .

ولد جد العرب الأول إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام في فلسطين ، ثم انتقلا إلى مكة المكرمة ورفعا الكعبة فيها ، وقال تعالى :”وإذ يرفقع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم” وكان إبراهيم يحج البيت الحرام ويزور زوجته “هاجر” وابنها “إسماعيل” بجوار المعبة كل عام ، فإذا علمنا أن إبراهيم أول العرب المستعربة ورافع قواعد الكعبة ومخطط مدينة مكة ، نرى أن فلسطين التي هي بلد إبراهيم ومولد إسماعيل ، بلد عربي أصيل منذ أقدم العصور ، كما أنها مرتبطة ارتباط وثيقا بالعرب والمسلمين .

أولى القبلتين وثالث الحرمين

كان القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين منذ بعثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وقد اتجه إليه الرسول في صلواته سبعة عشر شهرا ، وأن المسجد الأقصى في فلسطين ثالث الحرمين بعد الحرم المكي والحرم المدني وهذه هي الأماكن الثلاثة التي يحرص المسلمون على حمايتها أشد من حرصهم على حياتهم ، وأن المسجد الأقصى في فلسطين ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها ، وقد حددها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله :”لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ” رواه البخاري ومسلم وغيرهما .

وبين الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر مقدار الفضل الذي يناله مرتاد المسجد الأقصى فقال :”صلاة في بيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد بخمسمائة صلاة” (رواه الطبراني ، وابن خزيمة في صحيحه عن أبي الدرداء.

وهذا التحديد الواضح من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأماكن يدل على منزلتها عند الله ومكانتها لديه ، وكان اتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المسجد الأقصى في صلواتهم أول الأمر لتأكيد أخوته عليه السلام لجميع الأنبياء السابقين وكانت رحلته في ليلة الإسراء من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى للربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا وكأنما أريد بهذه الرحلة التاريخية إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله ، واشتمال رسالته على هذه المقدسات وارتباط رسالته بها جميعا ولتنبيه المسلمين علة وجوب الحفاظ على المسجد الأقصى والحرص على قداسته كما يحافظون على البيت الحرام ، وقد دخل الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج بيت المقدس وصلى إماما بجميع الأنبياء والمرسلين .

فلسطين ملتقى الإسراء والمعراج

ولقد اختار الله سبحانه وتعالى المسجد الأقصى بفلسطين لرحلته الإسراء والمعراج التي خص الله بها النبي العربي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في حياته دون سائر الأنبياء وأصبحت فلسطين نقطة ارتكاز وموضوع انطلاق له عليه السلام إلى ما فوق السماوات ؟، ليتبين للعالم أن هذه البقعة مباركة عند الله وملك المسلمين وستبقى كذلك إلى الأبد ، فيقول القرآن الكريم :”سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصلى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” .

فلسطين أرض عربية من واقع التاريخ والأحداث

وإذا درس الإنسان حقيقة تاريخ فلسطين منذ أقدم العصور يتبين له أن فلسطين أرض عربية من واقع التاريخ والأحداث ، كما أنها موطن العربي وكانت مسقط رأس أبي العرب وباني الكعبة وجد الرسول وابن “هاجر” المصرية إسماعيل عليه السلام .

إسرائيل مستعمرة غربية استعماري

والثابت من الواقع التاريخي والأحداث الفعلية الجارية أن دولة إسرائيل المقامة في أرض فلسطين اليوم ، مستعمرة غربية استعمارية ولا يخفى على من له إلمام بمجريات الأمور أن الاستعمار قد اتخذ إسرائيل مخلب قط وكلب صيد ، يستبقى بها نفوذ في الشرق الأوسط وخاصة في البلاد العربية التي فيها ثروات طبيعية ومصادر غنية وأسواق تجارية وأن قوتها من التدعيم الاستعماري القديم والحديث والغربي والشرقي على حد سواء .

وأن إسرائيل مفروضة على العالم العربي والإسلامي في أرض فلسطين بقوة المال والسلاح ، في ظل غفلة أبنائها العرب والمسلمين . وقال الشاعر الحكيم :

لكل شيئ إذا ما تم نقصان ولا يغر بطيب العيش إنسان