مكانة السلوك الشخصي في الحياة الإسلامية

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 20-يناير-1986 م

إذا نظرنا إلى كتابات العلماء والمفكرين والأدباء عن الإسلام ، نرى فئتين رئيسين ، فمنهم من ينظر إلى الإسلام كنظرية وفكرة ومجموعة عن المبادئ والأصول تتناول شتى مرافق الحياو البشرية ، ومنهم من ينظر إليه كنظام الحياة وأسلوب الحياة الإنسانية في جميع مراحلها وشعبها وأطوارها ، ومن هنا نرى أناسا يتخذون الإسلام كنظرية وفكرة فقط ولا يطبقونها في حياتهم الشخصية ، وآخرين يتخذونها كنظام الحياة حيث يطبقونه في حياتهم اليومية في جميع المجالات ، وعلى هذا يكون النظام الإسلامي ، في نظرهم ممارسة فعلية وليس بمجرد مبادئ نظرية .

ويتبين من دستور الإسلام وهو القرآن المجيد أن الإسلام إنما عو أسلوب الحياة العملية إلى جانب كونه إيمانا وعقيدة ثابتة ينبع منه ذلك الأسلوب السلوكي ، ولذلك نرى الآيات القرآنية المتعلقة بالعبادات والمعاملات والفرائض والأخلاق السلوكية تربط ارتباطا ملازما بين الإيمان والعمل . وإذا اكتفى الإنسان بالأخذ بالناحية الإيمانية فقط فقد أخذ الناحية العملية منه ، ولكن المطلوب الأخذ بالناحيتين معا في وقت واحد ، ويجب أن يكون السلوك الشخصي للإنسان المسلم انعكاسا لمبادئ الإسلام التي يؤمن بها فيكون مسلما في حياته كلها ، وإلا فيكون مسلما من ناحية وبعيدا عن النظام الإسلامي من ناحية أخرى .

أسباب الأزمة السلوكية عند المسلمين اليوم

يعيش المسلمون اليوم في أزمة سلوكية شخصية وذلك لأسباب عديدة ومنها : التأثر بالغزو الفكري الخارجي بهدف جعل الإسلام مجرد مجموعة من المبادئ للخطابة والكتابة والمناقشات وليس من الضروري تطبيقها في ممارسات الحياة اليومية وأدهى من ذلك فإن أصحاب ذلك الدعايات يشيعون ويحاولون بكل الطرق لتصوير الإسلام دين النظريات وليس العمليات – إن صح هذا التعبير – فإذا قال شخص أنه مسلم ، واختار اسما معروفا بين الناس بأنه اسم مسلم وردد بعض الكلمات المتداولة في بعض المناسبات لدى المسلمين فقد أصبح من عداد المسلمين وكفى ! .

ومنها أيضا الانبهار بممارسات الحياة الاجتماعية في البلاد الغربية والسلويكيات الشخصية المنتشرة في المجتمع الغربي ولو كانت بعيدة كل البعد عن الأخلاقيات الفاضلة والمبادئ الدينية والمثل والقيم النبيلة ، وهذا الشخص المسلم المنبهر بتلك الحياة الغربية يحاول الجمع بين انتمائه الإسلامي بادعاء الإيمان واختيار الاسم والانتساب الرسمي للمجتمع الإسلامي وأما في بقية مجالات حياته فيكون معرض عن التعاليم الإسلامية في تنظيم السلوك الشخصي للفرد المسلم ، في مأكله ومشربه مسكنه وملبسه ومعاملاته مع كل الناس وممارسته سلوكه مع المسلمين وغير المسلمين ، وممارسته الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما .

الإسلام دين الممارسة الفعلية

ويجب أن نفهم الفرق الدقيق بين الإسلام كمبادئ وقيم وتعاليم ونظم وبين كونه مسلكا وممارسة في سائر جوانب حياة الإنسان وإن مارس الشخص المسلم تلك المبادئ والنظم في حياته اليومية فقد صار مسلما فعلا وإلا صار مسلما قولا فقط ، فلا يمكن الإطلاق على الذي يفصل بين الأخذ بالإسلام كمبادئ وبين الأخذ به كممارسة اسم “المسلم” إلا مجازا وبالأحرى إلا في حدود الحكم في المسائل الظاهرية ، وأما المسلم الحقيقي فهو الذي يتخذ الإسلام كنظام شامل لأسلوب حياته في كل المرافق فهو الذي يعرف في المصطلح الإسلامي “التدين” وأما الذي يأخذ ببعض الأخلاق الإسلامية وأعراف المسلمين وآدابهم المعروفة فلا يصح افطلاق عليه كلمة “المتدين” بمعناه الحقيقي ، والتدين والسلوك الإسلامي متلازمان فلا تدين بدون سلوك ولا سلوك إسلامي بدون تدين . ومن هنا يمكن أن نقول إن الإسلام يتطلب من أتباعه الالتزام بالمنهج الإسلامي في سلوكه كله ، ويجب أن تنعكس معالم الشخصية الإسلامية في معاملاته كلها من جميع شعب الحياة في معاملاته مع أهله وجيرانه وأصحابه وأهل بلده ومع أهل دينه وأصحاب الأديان الأخرى بل والإنسانية جمعاء . ويجد قدوة حسنة واضحة لهذه الممارسات كلها من حياة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام من السلف الصالحين .

ضرورة فهم حقيقة الإسلام

وأول واجب على المسلمين اليوم فهم حقيقة الإسلام كبداية لفهم ذاتهم ودورهم في الحياة ومكانتهم بين أهل الديانات والمذاهب الأخرى ، وأن هذا الفهم للإسلام كدين الممارسة هو الذي منح القدرة الجبارة في شكل التحدي البياني في العصور الأولى في خير القرون للإسلام والمسلمين فكانوا القدوة الحسنة والنموذج الصالح القابل للاتباع والالتزام والمحاكاة والممارسة لكل الأمم في كل البيئات وصاروا أصحاب الحضارة المثالية والثقافية الإنسانية والقيمة الأخلاقية ، ومنذ أن بدأ الانفصام بين الإسلام والمسلمين بمعنى أن بدأ المسلمون يحملون راية الإسلام في يد ويحملون راية التقليد الأعمى في يد أخرى بدأ الانفصام بين الإسلام والمسلمين وأصبحوا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وكأنهم مهب الرياح العاصفة ، وتقلصت دورتهم الحضارية وانكشمت شخصيتهم الإسلامية وما انضمت إلى حضارة أخرى أو تقمصت بشخصية أخرى . وقد آن الأوان جدا لأن يعودوا إلى وعيهم ويصححوا وضعهم ! .