معرفة عظمة الله تعالى تملأ القلوب خشية وإجلالا

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 6-يوليو-1986 م

إن الإنسان إذا أدرك بفهم ووعي وعقل أن الله سبحانه وتعالى قد أوجده من العدم وليس له شريك في خلقه وإيجاده ونفخ روحه وتحديد صورته وتقدير مصيره ، يشعر بطبيعته وفطرته بعظمة الله تعالى وجلاله وقدرته ومقامه ، ويتطلع إلى معرفة مزيد عن عظائمه وعجائب خلقه ، فكلما تزداد معرفته بعظمة خلقه وأسراره وعجائبه وغرائبه يمتلئ قلبه إيمانا به وخشية وإجلالا لله عز وجل وخلق هذا الكون كله من العدم بأمره وإرادته وحكمته تدبيره ، وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم : “إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون” (الأنفال : 2) .

كيف تستشعر بعظمة الله ؟

إذا فكر الإنسان في جوانب الخلق الذي تفرد الله سبحانه وتعالى به وأوجده من العدم بمحض فضله وقدرته يستشعر بعظمته وضخامته وقدرته وحكمته ، ويدعو القرآن الكريم الإنسان إلى تأسيس عظمة الله في قلبه بالتفكير في آيات عظمته في خلقه وتدبيره فيقول : “نحن خلقناكم فلولا تصدقون ، أفرأيتم ما تمنون ، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ، نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين ، على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ، ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون ، أفرأيتم ما تحرثون ، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ، لو نشاء لجعلناه حطاما فظللتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون ، أفرأيتم الماء الذي تشربون ، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ، لو نشاء لجعلناه أجاجا فلولا تشكرون ، أفرأيتم النار التي تورون ، أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ، نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمتقين فسبح باسم ربك العظيم” (الواقعة : 57-74) . وأن هذه الآيات الكريمة كلها تدعو الإنسان إلى التفكير في خلق الله تعالى الأشياء المتصلة مباشرة بحياة البشرية وإبداعها وتقديرها ولم يسبقه أحد إلى إنشاء شيئ منها ولن يستطيعه أحد أن يأتي بمثل ذلك والله سبحانه وتعالى وحده القادر عليه والقائم به .

خلق السماوات وملايين المجريات

إن الله عز وجل هو وحده الذي خلق السماوات السبع وخلق المجرات بملايينها التي لن يحصيها العادون والعلماء الفلكيون كما قال تعالى : “ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ” (نوح : 15) ، ثم قال :” الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، فارجع البصر هل ترى من فطور ، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير، ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير” (الملك : 3-5) . وقال القرآن الكريم عن آيات عظمة خلق الله تعالى الشمس والقمر ومنازلهما “الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ، والقكر قدرناها منازل حتى عاد كالعرجون القديم ، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون” (يس : 28-40) .

وهو الذي خلق النور والظلمات وجعل الليل والنهار سرمدا أو جعل في السماوات وفي المجرات خصائص النور والإضاءة كما قال تعالى : “تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ” (الفرقان : 62) .

آيات الليل والنهر

ومن إبداع خلقه وعظيم نعمته خلق الليل والنهار مع خصائصها الطبيعية اللازمة لحياة الكائنات وقال تعالى موضحا لعيادة فوائد الليل والنهار لتصريف شؤون حياتهم واستمرار بقائهم وتسيير أمورهم على وجه الأرض : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم المظلمون ، والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم” (يس : 38 ) ، وقال في سورة الفرقان : “وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا” (47) ، وجاء في سورة يونس قوله تعالى : “هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ” (67) ، وقال تعالى أيضا : “ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله” (القصص :73 ) ، وقد جعل الله تعالى اليل والنهار من عظيم آياته لمخلوقاته إذ قال : “يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار” (النور : 44) .

الخلق والإبداع دليل على البعث والنشور

إن استشعار المؤمن لآيات خلق السماوات والأرض ومظهرهما وإبداعهما بحيث لم يسبق أحد إلى إنشاء شيئ منه ولن يستطيع أحد على أن يأتي بشيء من مثله ليؤدي حتما إلى تأسيس اليقين في قلبه بأ الذي خلق الكون كله لأول مرة وأبدعه بدون سابق مثال وبدون أي سبق وعون وستر لك ، ولقادر جدا على بعث الخلائق يوم الحشر وإحياء الموتى وعلى أن يسوي بننهم لأن الإعادة أسهل وأهون من البداية والإبداع لأول مرة فقال تعالى : ” أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ، وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ، أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، فسبحان الذي بيده الملكوت كل شيئ وإليه ترجعون ” (يس : 77-83) ، وهكذا تمتلئ قلوب المؤمنين إيمانا ويقينا واطمئنانا وهكذا باستذكار عظمة خلق الله وضخامة كائناته ! .