مخططات محكمه لتطويق العالم العربي والإسلامي (2)

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 23-أكتوبر-1986 م

تحدثنا في الأسبوع الماضي عن بعض أسباب تكاتف المصالح الاستعمارية والمآرب الاستراتيجية والأهداف الصهيونية والمطامع المادية لتطويق المد الإسلامي ، وتكسير شوكة الحضارة الإسلامية ، ونهب الثروات والمصادر الطبيعية في بلاد العرب والمسلمين ، وأشرنا إلة محاولات تلك الجهات المغرضة لتفريق صفوف العرب والمسلمين وذرع الزعزعة العقدية والبلبلية الفكرية في نفوس شباب الإسلام بعد أن أدركت أن الجهود العسكرية والمالية والسياسية قد فشلت في تحقيق أهدافها كاملة ، ومن هذا المنطلق قد لجأت تلك الجهات متكاتفة ومتعاونة ، إلى الغزو الفكري والتحدي العقدي ، بأساليب ومخططات عديدة ومتنوعة وفيما يلي نماذج ملحوظة وملموسة ومنشورة من هذه المخططات المحكمة :

نشر العلوم الأوروبية والفكرة المادية

وتبين من طيات مؤلفات زعماء الارساليات التبشيرية وتقارير مؤتمراتهم العالمية ونشراتهم الداخلية أن قادة التبشير المسيحي والاستعمار الصليبي قد فهموا قوة العقيدة الإسلامية فقرروا زعزعتها بشتى الطرق والوسائل وخاصة عن طريق نشر علوم الاوربيين ، وتكفي العبارة التالية من كتاب “زويمر” لبيان الصلة الزثيقة والعميقة بين التبشير الاستعماري وبين العناية الشديدة بنشر العلوم الأوروبية وقضية تحرير المرأة المسلمة ، فيقول بالحرف الواحد :

“ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوربيين وتحرير النساء ” .

وجاء في مقدمة قرارات المؤتمر التبشيري العالمي المنعقد بالقاهرة سنة 1906م والمؤتمر التبشيري العالمي المنعقد في لكنو (بالهند) سنة 1911م الخاصة بخطط التبشير في العالم العربي والإسلامي للمستقبل في ضوء بوادر قيام نهضة في العالم العربي والإسلامي ما نصه :

“ودخلت الأمور الإسلامية في قالب يلائم العصر ازداد به التمسك بمبادئ الإسلام … وكل هذه الحوادث (بوادر الصحة الإسلامية) تحتم على الكنيسة أن تعمل بحزم وجد وتنظر في أمر التبشير والمبشرين بكل عناية” .

الأهداف الكامنة وراء حركة تحرير المرأة في العالم العربي والإسلامي

مما يلفت النظر في هذه المقتطفات من البرنامج الرسمي للتبشير والمبشرين في العالم العربي والإسلامي هو مدى عناية المبشرين ومؤتمرات التبشير بتحرير المرأة المسلمة والارتقاء الاجتماعي والنفسي للمرأة المسلمة .

ومما يزيد الأمر دهشة وعجبا أن تأتي هذه العناية عندما يفكر هؤلاء المبشرين في خطر قيام نهضة في العالم العربي والإسلامي ويتخذون قرارات ضد قيام مثل هذه الصحوة فيه ، وكانت حركة تحرير المرأة المسلمة من أخبث ما قام به المبشرون المختفون في زي العلماء المستشرقين ، وما كانوا يعملون ذلك لصالح المرأة المسلمة أو المجتمع المسلم ، وقد ثبت من كلامهم أنهم يعملون على إضعاف العالم العربي والإسلامي وإبعاده عن عقيدته وأخلاقه وقيمه ، وكانوا يهدفون من هذه الحركة إلى بث الانحلال الخلقي والفكري والديني في المجتمع الإسلامي ، وتشيه هذه الحركة فكرة مزيفة في النفوس الضعيفة وعامة المسلمين وإنصافا المتعلمين أن المرأة المسلمة في حالة من الجهالة والتأخر والانحطاط والجمود وعجزت العقيدة الإسلامية ومبادؤها وتعاليمها عن تحريرها وتعليمها وترقيتها اجتماعيا ونفسيا ، فينشأ في أذهان ضعاف النفوس من المتعلمينفي المعاهد والجامعات الحكومية والعلمانية بشعور من الاحتقار تجاه تعاليم الإسلام وعقيدته ، فحين تتحرر المرأة اجتماعيا ونفسيا على هذا المفهوم تخرج عارية في الطريق وتثير الفتنة وتشيع الميوعة والخلاعة والغواية في المجتمع فتفسد أخلاقه وتفتر همته وتضعف عزيمته بحيث يجيء على مرور الأيام جيل متحرر ومهلهل العقيدة ومنحل الأخلاق ولا يعرف عن حقيقة الإسلام شيئا إلا الشبهات التي يلقيها المستشرقون المبشرون حول الإسلام وعقيدته ونبيه ، وحين أولت الارساليات التبشيرية اهتماما خاصا بتحرير المرأة وتعاليمها لم تفعلها للنهوض بالمجتمع وترقيته ولارتفاع به وإنما فعلها ليفسدها هي أولا وتفسد معها بقية المجتمع لتسنح الفرصة الاقتلاع كيان الإسلام من الجذور فيقع العالم العربي والإسلامي تحت نفوذ الاستعمار الصليبي الغربي .

أما تعليم المرأة والارتقاء الاجتماعي والنفسي لها فمن أهداف الإسلام ، وأن وضع المرأة كله في الإسلام يقوم على أسسه الرفيعة التي تحقق للفرد البشري أعلى درجة من الرفعة والتكريم معه المحافظة على نظافة الأخلاق بعيدا عن الانحلال الخلقي والديني كما أراده المستعمرون والماديون للقضاء على صرح الإسلام القويم .

فهذا بعض ما كشفته مؤسسات التبشير والاستشراق وزعماؤها من المخططات والبرامج الخاصة بالعالم العربي والإسلامي لزحزحة العقيدة الإسلامية في نفوس العرب والمسلمين وتفتيت كيانهم وجعلهم لقمة سائغة للغزو الفكري والمادي من الاستعمار الصليبي .

وأن نشرها والتنبيه إليها مدعاة لتفكر علماء المسلمين وعقلائهم وجميع الجهات المعنية بشؤون الإسلام والمسلمين وتدبيرهم في الخطوات اللازم اتخاذها لمواجهة هذا التحدي الخطير المحدق بالعالم العربي والإسلامي قبل فوات الأوان وإفلات الزمام .

تعريب الأفكار الغربية

ومن الأساليب التي يتبعها دهماء الاستعمار الغربي وفطاحل الاستشراق التبشيري لزعزعة العقيدة الإسلامية من نفوس العرب والمسلمين وطبعهم بطابع الفكر الغربي والثقافة الغربية تعريب الأفكار التي يريدون ترويجها والثقافات التي يحاولون نشرها بلغته التي يقدر عليها ويجيد فنونها وآدابها بعيدا عن شبهة التشبث باللغات الأجنبية ، وبطريقة سريعة ونشيطة ، وقد وضعوا لتنفيذ هذه الأساليب خطة مرسومة بعد دراسة وافية للمواقف على أساس التطور والتدرج .

ومن الأساليب التي تتبعها تلك الخطة المرسومة المحكمة خيوطها الاتصال بشتى الطرق والوسائل بالهيئات الثقافية والجهات الأدبية والفنية ، وكذلك إنشاء جمعيات الصداقة وعقد الاتفاقيات الثقافية باسم التبادل أو المعاملة بالمثل وبالتالي تأليف لجان الترجمة وتبادل المؤلفات المطلوبة ترجمتها ، وبهذا الأسلوب استطاعت عدة مؤلفات خطيرة وضعها المستشرقون المبشرون تارة والصهاينة والمستعمرون تارة أخرى ، أن تترجم إلى العربية وتحت ستار الثقافة أو خلق حجاب الحضارة والعلوم .

وعلى الرغم من وفرة النماذج لهذا النوع من المطبوعات المترجمة المدسوسة بأفكار فتاكة لكيان العالم العربي والإسلامي وكثرة المصادر والمراجع المساعدة على جمعها وتصنيفها أود أن أشير هنا إلى مطبوعين فقط من هذا القبيل ، أحدهما : كتاب (قصة الحضارة) لمؤلفه “ول ديورانت” ، وقد قامت اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية بترجمته ونشره باللغة العربية يتوجيه هيئة اليونسكو ، وأصدرت اللجنة الثقافية المذكورة أجزاءا عديدة من هذا الكتاب ، وثانيهما :”مختارات من إمرسون” ، وقد تناول الأستاذ الباحث الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (حصوننا مهددة من داخلها) هذين الكتابين وغيرهما من بعض الكتب الهامة التي ترجمتها إلى اللغة العربية ، اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية بمعرفة القسم الثقافي بالسفارة الأمريكية بالقاهرة ، وكذلك بهيئة اليونسكو بنقد وتقييم ، وأرى من المناسب المفيد أن اقتبس منه مقتطفات أليق وألصق بهذا البحث الذي نحن بصدده ، فيقول :

“تقوم اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية على ترجمة عدد من الكتب الأوربية والأمريكية إلى العربية وتنفق على طبعها ونشرها ، فما هي الصفات والمميزات التي تتوخاها اللجنة فيما تختاره للترجمة من هذه الكتب ؟ لا شك في أن الميزة التي ينبغي أن تراعي في اختيار هذه الكتب هي مصلحة العرب وذلك باستكمال ما ينقصهم وتدارك ما فاتهم مما سبق إليه غيرهم ، فكان سبقه فيه سبب تفوقه وسيادته ، وكان تخلفنا فيه سبب ضعفنا واستعبادنا ولا شك في أن العرب أنفسهم هم أقدر الناس على إدراك ما يصلحهم وهم أحرص الناس عليه ، فليس من المعقول مثلا أن نكل أمر هذا الاختيار إلى إحدى دول الاستعباد الغربي مثل أمريكا أو انجلترا أو فرنسا أو أسبانيا أو هولندا أو بلجيكا ثم نطمع أن يرشد خبراؤهم العرب مخلصين إلى ما ينفعهم ، وما يترتب عليه استغناؤهم عن خبرائهم ، واستقلالهم باستغلال خيراتهم ، إن من غير المعقول أن تلخص دولة من دول الاستعباد فيما تنصح به العرب من اختيار النافع من الكتب الذي يؤدي إلى نهضة حقيقية ، وليس من الإنصاف أن نؤاخذهم على التقصير في ذلك أو الغش فيه ، فلا ينبغي أن نتوقع منهم أن يخربوا بيوتهم بأيديهم ، والعرب وحدهم هم الأمناء على مصالحهم ، لا يصلح للقيام عليها سواهم ولا يؤمن على هذه الأمانة غيرهم ، فاختيار الكتب التي نترجمها إلى العربية يجب أن يوكل إلى علماء العرب وحدهم .

وبعد هذه المقدمة الطويلة الصريحة أورد الدكتور محمد حسين الفقرات التالية التي نصت عليها النشرة الثقافية لجامعة الدول العربية عرضت فيها نشاطها بين سنتي 1946-1956م :

“كذلك اتفقت الإدارة الثقافية بعد موافقة المكتب الدائم على أن تتولى نشر بعض الكتب الهامة المترجمة بمعرفة القسم الثقافي بالسفارة الأمريكية ، وقد قدمت فعلا إلى الطبع على هذا الأساس أصول كتاب إلى العربية ويشتمل على مقالات للكاتب الأمريكي الكبير “إيمرسن” وتقول كذلك :اتصلت الإدارة الثقافية ببعض الهيئات العالمية المختصة ، وحصلت منها على كشوف بأسماء الكتب التي تراها تلك الهيئات داخلة في إطار هذا البرنامج”.

وبعد أن أورد النص المذكور من النشرة الثقافية لجامعة الدول العربية يقول المؤلف :

“وسوف أعرض في هذا المقال نموذجين من هذه السموم التي تدس على العرب باسم جامعتهم في كتابين ، أحدهما مما أوصت به السفارة الأمريكية وهو (مختارات من إيمرسون) والآخر مما أوصت به اليونسكو وهو (قصة الحضارة) “لول ديورانت” وطبعت اللجنة بعد ذلك كتابين مما أوصت به السفارة الأمريكية وهما (الثقافة والحرية) “لجون ديوي” الذي أفسد المتأمركون تربية شبابنا باسمه ، و(انتصار الحضارة) “لبرستد” الذي أوفده المليونير اليهودي المتستر تحت النصرانية “روكفلر” في سنة 1926م ليعرض على مصر عشرة ملايين من الدولارات لتأسيس معهد للدراسات الفرعونية بعين على سلخ مصر من عروبتها ” .

استدراج ضعاف الإيمان

وفي معرض الكلام عن كتاب “إيمرسون” (المترجم إلى العربية) يقول الدكتور محمد حسين :

“. . . يهدم إيمرسون الدين والتدين من جذوره تحت الدعوة إلى الحرية وإلى استقلال الشخصية ، ويستدرج إيمرسون السذج من القراء وضعاف الإيمان بالثناء على موسى وعيسى عليهما السلام ، لكنه يزعم لهم أن الدين يتجدد دائما وان الأنبياء كانوا ولا يزالون (ص 69،70) ولذلك فهو يسمي المسيحية التي أنزلت على المسيح عليه السلام “المسيحية التاريخية” (ص 71) ، ويعد فيما يعدده من أخطائها أنها تهتم بشخص المسيح اهتماما مبالغا فيه ، وأنها تبالغ كذلك في الاهتمام بالطقوس دون جوهر الروح ، من أجل ذلك صار الناس في زعمه (يتحدثون عن الوحي كأنه قد أوحى به وانتهى من عهد قديم ، كأن الله قد مات – ص 71-74) ، ولا يزال هذا الصهيوني الهدام يستدرج قارئه حتى ينتهي به إلى النتيجة الخطيرة التي يريد أن يسوقه إليها ، وهي هدم كل الديانات باعتبار الوحي ظاهرة مألوفة تتكرر في كل زمان ومكان ، وذلك حين يقول : (ومن واجبي أن أقول لكم إن الحاجة إلى إلهام جديد لم تكن في أي وقت من الأوقات أشد مما هي الآن – ص 75) ، وحين يقول بعد ذلك : (إن جمود الدين ، والزعم أن عصر الإلهام قد ولى ، وأن الإنجيل قد استغلق ، والخوف من الحط من شخصية المسيح بتمثيله في صورة رجل ، كل ذلك يدل في وضوح كاف على خطأ علمنا بالدين ، وواجب المعلم الصادق أن يرينا أن الله كائن اليوم ، لا كان فيما مضى ، وأنه يتكلم لا تكلم وانتهى . . ص 83) .

تسميم الثقافة العربية

ومن الواضح من هذه المقتطفات من الكتاب المترجم إلى العربية وقامت بطبعه ونشره إحدى الجهات العربية بنفسها ، ومدى خطورته على زعزعة العقيدة الدينية والفتك بالأخلاق وتسميم ينابيع الثفافة العربية الأصيلة ، ويتعقب هذا الصهيوني الهدام “إيمرسون” فضائل الدين والأخلاق الفاضلة كلها بالتسفيه والسخرية اللاذعة ، وقد يبدو في بعض مقلات الكتاب صورة خداعة للإيمان والحب والصداقة وذلك لإيهام القارئ أنه صادق الإيمان كما هو العادة في كل نشرات الهدامين والمضللين ، ونرى لب هذا الكتاب المدسوس على قراء العرب والمسلمين باللغة العربية المحببة إلى قلوبهم من قوله في صفحة 156 : “ومن اليسير أن نرى أن مزيدا من الثقة بالنفس لا بد أن يحدث انقلابا في جميع وظائف الناس وعلاقاتهم ودياناتهم ، وفي تربيتهم وفي أهدافهم وأساليب عيشهم واجتماعهم وفي أملاكهم وفي آرائهم التي يتدبرون” .

ولنعد الآن إلى القيام بتطواف سريع حول الكتاب آخر من المطبوعات المترجمة إلى العربية ، وهو (قصة الحضارة) للصهيوني الخبيث “ول ديورانت” فقد أصدرت منه اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية أجزاءا عديدة وأخطرها الجزءان اللذان تناولا حياة سيدنا عيسى عليه السلام وحياة محمد صلى الله عليه وسلم ، ودعنا نلقي نظرة خاطفة على بعض الأمثلة لأساليب الخبث وأباطيل الافتراء فيما يتعلق مباشرة بالإسلام والنبوة المحمدية وتاريخ المسلمين الأوائل ، وقد زاد الطين بلة أن كل هذا وذاك قد يتحقق بأيدي العرب والمسلمين أنفسهم وبأموالهم وعلى مسمع منهم .

ضرورة تصحيح العقيدة من التيارات الدخيلة

إن الأمور العقدية في الإسلام جاءت وحيا في القرآن الكريم والسنة النبوية وأن الأمور العقدية لم تصل إلينا عن طريق المفكرين والعلماء أو الزعماء والقادة ، وإنما وصلت إلينا عن طريق الأنبياء الذين يوحي إليهم من الله تعالى والذين ختمت رسالتهم برسالة خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي نزلت عليه الآية القرآنية في حجة الوداع يوم عرفة : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” ، وأما القرآن فهو الكتاب السماوي الوحيد المحفوظ من التحريف والباقي إلى آخر الأبد ، والسيرة النبوية هي السيرة الوحيدة من سير الأنبياء التي قد سجلت ودونت بكل دقة وحيطة وإتقان باتفاق آراء العقلاء جميعا .

وأما تسمية ما هو وحي إلهي بالفكر الإسلامي أو الفكرة الإسلامية بل وأحيانا بالتراث الإسلامي وبالمصطلح الأجنبي “أيدولوجية إسلامية” فكل هذا وذاك قد جاء نتيجة التأثر بغزو النظريات العلمانية والأفكار الإلحادية الوافدة من الغرب إلى الشرق العربي الإسلامي .

وأن بناء الإسلام أساسه العقيدة وهذا الأساس يقام في أعز مكان في الإنسان وهو قلبه الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ثلاث مرات “التقوى هاهنا” ، وقال أيضا : “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” (متفق عليه) .

فالعقيدة الصحيحة كشهادة اللسان واعتقاد القلب ، هي مصدر الأعمال الصالحة وهذا هو سر اقتران العمل الصالح بالإيمان في عدة آيات قرآنية ، وبقدر ضعف قوة العقيدة تضعف قوة الأعمال وحماسها كما أنها منبع الهمة والشجاعة والمثابرة والتضحية والإيثار فهي الميزان الدقيق لأعمال الإنسان .

وبفضل هذه العقيدة غلب العرب المسلمون أقوياء الأرض حين انتصروا عليهم وبفضل قوة ومناعة هذه العقيدة أيضا قد صمدوا عندما واجهوا النكسة النكراء ، وحافظوا على كيانهم عندما تغيرت الظروف – لسبب أو لأخر – ودالت الدول وتبدلت المقادير وغلب الأقوياء عليهم فذاقوا البأس والمرارة بأيدي قاهريهم .

وأفردت هذه العقيدة الإسلام بميزة لم تعهد في أي دين آخر في تاريخ البشر ، ولهذا يفكر أعداء الإسلام ومناهضوه من كل حدب وصوب ، في اختراق الحاجز العقدي للعالم العربي الإسلامي ليدخلوا الوهن والضعف في روح العرب والمسلمين بزعزعتهم عن عقيدتهم التي ترفض الكفر والإلحاد والاستعمار والاستذلال والهوان ، ولا ترضى للقوة والعزة والكرامة بديلا .

في القرآن وهداية لفك الحصار ورفع الطوق

يقول رب العباد هاديا ومرشدا : “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون” (آل عمران : 103) ، ويقول كذلك :”وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” (الأنفال : 46) . فلا فكاك من الحصار الذي وقع فيه اليوم العالم العربي والإسلامي ولا خلاص من الطوق المشدود على أعناقه بإحكام وإتقان ، ولا فرار من الحبائل المنصوبة حولهم ، إلا بالعودة إلى نقطة الأمان وقاعدة السلام والاستماع إلى نداء القائد والإمام الرائد ، كما فعل الأسلاف الذين حققوا الانتصارات ، وخلدوا الأمجاد ، تحت شعار وحدة العقيدة ، ومظلة الأخوة الوطيدة ، الغايات النبيلة .