كيف تواجه الهند تحديات الانفجار السكاني

صوت الهند – القاهرة يناير 1970 م

يتضح مدى التضخم السكاني وأبعاد مشكلاته في الهند من أرقام سكانها ومن زيادة معدل المواليد وزيادة الأعمار ، إلى جانب الانخفاض في الوفيات ، وذلك نتيجة الظروف الصحية المحسنة وارتفاع الدخل القومي المضطرد بفضل التقدم الملحوظ في الزراعة والصناعة خلال العشرين سنة الماضية من الحرية السياسية .

يبلغ سكان الهند الآن حوالي ستمائة مليون نسمة ، أي أصبح من بين كل سبعة من سكان العالم مواطن هندي وبمعنى آخر أن على الهند أن تعول 15% من مجموع الجنس البشري في العالم ، ويمكن أن نفهم مشكلات هذه الضخامة من بعض الحقائق والأرقام التالية : يتزايد عدد السكان في الهند بمعدل 21 مليون نسمة في كل عام ، إذا يولد طفل كل ثانيتين ونصف بمعنى 40 في الألف كل يوم ، أما الوفيات فتقدر بنحو 8 مليون في السنة ، بمعنى 16 في الألف على المعدل الأقصى ، وعلى هذا تعتبر الزيادة السنوية في عدد السكان نحو 13 مليون .

السبب الأساسي

إذا استمر هذا المعدل ، فيتضاعف عدد السكان الحالي خلال 28 سنة قادمة ، حيث يقفز هذا الرقم إلى نحو ألف مليون قبل نهاية القرن الحاضر ، ويعزي الخبراء السبب الأساسي لزيادة معدل هذا النمو إلى ما أحرزته الهند من نجاح مضطرد منذ أن حصلت على الحرية السياسية في عام 1947 في تنفيذ الخدمات الصحية والطبية خلال الخطط الخمسية الثلاث الأخيرة ، فتمكنت من السيطرة على الأمراض المعدية واتخذت من الإجراءات اللازمة للقضاء عليها بعد أن كانت منتشرة في أنحاء البلاد ، فارتفعت نسبة الأعمار من 32 سنة في عام 1950 إلى 52 سنة في السنوات الأخيرة ، مع عدم الانخفاض في معدل المواليد .

الدخل القومي

ارتفع الدخل القومي بصفة إجمالية بمعدل زيادة 75% خلال فترة عشرين عاما مضى ، غير أن دخل الفرد خلال نفس الفترة ارتفع بنسبة 20% فقط ، وذلك بسبب استمرار زيادة عدد السكان وحاجاتهم المعيشة ، وأن وفرة السلع وتعدد الخدمات وزيادتها والتقدم المرموق في مجال الإنتاج الزراعي والصناعي وفي مجال الخدمات والتعليمية ، لا يساير متطلبات الانفجار السكاني ، ومن هنا لا تعتبر نسبة الزيادة في دخل الفرد في الهند شيئا يذكر بالنسبة إلى ارتفاع الدخل القومي بصفة إجمالية .

هدف الحكومة

كان هدف حكومة الهند ، في ضوء هذا التضخم السكاني المدهش الذي لا يتمشى مع زيادة الدخل القومي العام هذا التقليل من معدل المواليد من 40 في الألف في الوقت الحاضر إلى 20 أو 25 في الألف ، كوسيلة عملية لمواجهة المشكلة السكانية في البلاد .

وقد اتخذت الحكومة وسائل مختلفة لتحقيق هذا الهدف ، ومنها : اختيار أفضل السبل لتحديد النسل ، ومحو الأمية بين الكبار ، ونشر الوعي اللازم لتنظيم الأسرة في الأهالي الذين يعيشون تحت ظروف البيئة الهندية التقليدية وعلى الأخص في المناطق الريفية ، ورفع سن الزواج والحد من تعدد الزوجات وتكوين وعي الأسرة الصغيرة ، ونشر الوسائل التكنولوجية للإنتاج بدلا من الأيادي العاملة .

وعي الشعب

أدركت الهند أهمية تعاون الشعب لإنجاح السياسة السكانية في البلاد ، فقد عقدت عزمها لنشر هذا الوعي أولا في أوساط الجماهير الشعبية حتى يؤدي مشروع الحكومة ثماره كاملا ، ولهذا التجأت الحكومة أولا إلى الجهات الدينية الهندوسية والإسلامية وغيرها من الأجهزة الفكرية التي تستطيع أن تؤثر على عقليات الشعب التقليدية لكي تحصل على تأييدها لتنفيذ برنامج تنظيم الأسرة وتحديد النسل الذي هو اللبنة الأولى في ميدان مواجهة التضخم السكاني .

المنظمة الشعبية

استعانت الحكومة إلى جانب الهيئات الدينية المذكورة ، بالمنظمات النسائية والاجتماعية ومستشفيات الإرساليات الأجنبية والنقابات العمالية ونقابات الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين ، وكذلك بالمجالس القروية والبلدية في الجهات الريفية .
ويقوم مشرفون اجتماعيون مدربون بمهمة تنسيق الاتصالات بين هذه الهيئات المختلفة ، حتى تتضافر جهودها بدون تضارب ، ولا تناثر ، لا نجاح برنامج مواجهة هذا التضخم .

دور الأطباء

ويقع على عاتق الأطباء الدور الأساسي الأول في مواجهة هذا المشكلة العويصة ، لأنهم هم الذين يدخلون الطمأنينة في قلوب الجماهير من النواحي الصحية والنفسية ، من اختيار طرق تنظيم الأسرة من تعقيم أو استعمال الحبوب أو الوسائل الوقائية الأخرى ، فكان العمل في برنامج تنظيم الأسرة في مراحله الأولى قاصرا على الأطباء الحكوميين ، وفي السنوات الأخيرة انضم عدد كبير من الأطباء غير الحكوميين إلى البرنامج ، ومنهم المعالجون والمستشارون والمشرفون ، والذين يقومون بتعزيز العلاقات الطبية بين أفراد الشعب وبين مراكز تنفيذ هذا البرنامج .

سبب الانفجار السكاني في القرى

وأن القرى والأرياف هي المنابع الأولى للانفجار السكاني في كل بلد في العالم ، ويعزي السبب الأساسي في هذه الظاهرة إلى قلة وسائل الترفيه والتسلية بين سكانها وقضاء الأهالي معظم أوقاتهم في منازلهم ، حيث لا يجدون مجالا للنشاط الخارجي لتشغيل الأذهان وتحصيل المتعة الذهنية أو المادية ، فاتخذت الحكومة الهندية المناطق الريفية المركز الأول لمواجهة التضخم السكاني بطريق منع كثرة المواليد وأنشأت مكتبات متنقلة الحاملة للكتب التعليمية والتثقيفية في اللغات المحلية ، يجتمع حولها الفلاحون والقرويون لاستعارة الكتب الجديدة ، وقد أحرزت هذه التجربة نجاحا كبيرا وظهرت في أهالي القرى رغبة متزايدة في وجود مكتبات ثابتة في متناول أيديهم فأنشأت الحكومة مكتبات في كل سوق من أسواق القرى ، حيث يجتمع الفلاحون لابتياع حاجاتهم وبيع محصولاتهم حتى يستطيعوا اختيار الكتب التي يريدونها بسهولة .

التعليم والتنظيم

وحقق برنامج تثقيف القرى التي تشكل 80% من رقعة الهند الشاسعة هدفا كبيرا في سبيل نشر الوعي الاجتماعي وضرورة مواجهة الانفجار الهائل في عدد السكان الذي أدى إلى إبقاء دخل الفرد منخفضا ، على رغم الارتفاع في الدخل القومي العام والتقدم في المجال الزراعي والصناعي ، فيريد الآن مئات الألوف من سكان القرى في الهند اتباع السبل المختلفة لتخفيض معدل المواليد في أسرهم ، ويرغبون في حياة سعيدة منظمة هادئة .

طرق التنظيم الفعالة

وفي مقدمة الوسائل المختلفة التي تتخذها الهند لمواجهة المشكلة السكانية برنامج تنظيم الأسرة في أوسع نطاق ، وتتبع في تنفيذه وسيلتين بطريقة علمية ومفيدة ، وهما : التعقيم – الآباء الأمهات معا – أو الآباء فقط – والطرق الوقائية من استعمال الاولب أو الجراب الواقي أو الحبوب .

رفع سن الزواج

ومن الوسائل التي تفكر فيها الهند لمواجهة مشاكل التضخم السكاني رفع سن الزواج للبنات والبنين ، لأن الزواج في سن المتقدمة يخفض بطبيعة الحال معدل الإنتاج النسائي ، واتضح من الدراسات والبحوث التي قام بها بعض الهيئات في هذا المجال ، أن تحديد سن الزواج للبنات في السن العشرين فيخفض معدل المواليد في غضون عشر سنوات من 30% إلى 12% .

وأما أدنى السن القانوني للزواج بالنسبة للبنات فكان 14 سنة بموجب قانون الزواج الصادر في عام 1929م ويجري البحث الآن لرفع أدنى السن القانوني للزواج للبنات إلى 18 سنة ، وأن المعارضة الشديدة التي تشار في هذا الشأن ، هي حالة الفتيات في المجتمع الريفي ، حيث لا توجد التسهيلات الكافية لتعليم البنات وتشغيل أوقاتهن ، وأن الزواج المبكر هو السبيل الوحيد لحل هذه المشكلة ولكن البرلمان الهندي يفكر الآن في خلق ظروف تثقيفية وتعليمية في القرى والأرياف ، حتى يصل المجتمع الريفي إلى مستوى مجتمعات المدن فيرحب تلقائيا بفكرة رفع سن الزواج لفتياته مقتنعا بشعار (أسرة صغيرة سعيدة) .

تعدد الزوجات

وأما المشكلة الأخرى التي يواجهها المعنيون بحل التضخم السكاني في البلاد ، فهي نظام تعدد الزوجات وأن هذا النظام مازال شائعا بين بعض طبقات المسلمين وغيرهم من الشعب الهند ، ولو أن الإسلام أجاز التعدد في ظروف خاصة وبشروط معينة تتوفر في أصحابها ، فإنه لم يترك هذا الباب مفتوحا على مصراعية ، ولكن أشخاصا من عامة المسلمين يتبعون هذا النظام بدون مراعاة لتلك الحدود والشروط حتى صارت هذه العادة الممقوتة سببا لانهيار أسر كثيرة وتشتت شملها وتفكك أوصالها وتسرب الأحقاد والضغائن إلى أفرادها ، ولكن هذه العادة قد تقلصت في أضيق الحدود بين الطوائف الأخرى .

وتتخذ الهند الآن إجراءات عديدة لنشر الوعي العائلي والاجتماعي والديني بين الناس ضد هذه العادة التقليدية التي اتخذها البعض بالفوضى والهواية بدون التفكر في عواقبها الوخيمة ، وقد بدأ الهندوس والمسلمون والمسيحيون والطوائف الأخرى في الهند يقتلعون عن هذه العادة ، وفي الوقت نفسه يتدفقون إلى مراكز تنظيم الأسرة للتعقيم أو شراء موانع الحمل ، وتدل الإحصائيات الأخيرة أن نسبة المسلمين الذين في حوزتهم أكثر من زوجة لا تزيد عن 5% حيث أن 95% من مسلمي الهند المتزوجين يحتفظون بزوجة واحدة فقط ولا تزال المحاولة مستمرة للقضاء على البقية الباقية من آثار هذا التقليد البالي .

وعي الأسرة الصغيرة

ومن الوسائل الفعالة التي تتخذها الهند لتخفيض أفراد الأسرة وتخفيف وطأتها على رب الأسرة ، نشر الفكرة القائلة (الأسرة الصغيرة السعيدة) وتحاول الهيئات والمنظمات المعنية بهذه المهمة لإيصال هذه الفكرة وفوائدها إلى آذان كل زوج وزوجة منذ الأيام الأولى لزواجهما ، وقامت الحكومة وأجهزتها المختلفة بحملة واسعة في هذا الشأن خلال العشرين سنة الماضية ، وتبين من الدراسة التي أجرتها في ضوء تلك التجارب ، أن 70% من العائلات الهندية في القرى والمدن تتمسك بنظام ثلاثة أولاد فقط لأسرة واحدة ، وبعد ذلك تلجأ تلقائيا وطواعية إلى نظام تحديد النسل باقتناع لأسباب اقتصادية وصحية .

التكنولوجيا والإنتاج

وكان أحد الأسباب لكثرة الأولاد بين الفلاحين وعدم اقتناعهم بفكرة تنظيم الأسرة ، حاجتهم إلى أيادي عاملة ، أو أن أرياف الهند لم تصل إليها الأجهزة العصرية الحديثة الزراعة بقدر كاف ، ولا يزال الفلاح الهندي في القرى النائية يعتمد في فلاحة أرضه وزراعته وحصاده على أفراد أسرته ، فكانت ظروفه الاجتماعية والبيئية تتطلب مزيدا من الأولاد في أسرته ، لكي يشتركوا معه في حقله في شتى الأعمال .

ولكن مع تطور التكنولوجيا واهتمام الدولة لنشر الوسائل الحديثة للزراعة في القرى الهندية ، حسب مشروعات السنوات الخمس ، تقل حاجة الفلاح إلى الإكثار في إنجاب الأولاد ، ويصبح مشاركا مع بقية طبقات الأمة في حملة تنظيم النسل ومقاومة المشاكل الناتجة من التضخم السكاني أن عاجلا أو آجلا .