ثبوت رمضان بالرؤية لا بالحساب

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 27-أبريل-1987 م
إن الأصل في مسألة ثبوت الصيام هو ثبوت رؤية الهلال فإن لم تثبت رؤية رمضان مساء التاسع والعشرين من شعبان فيجب إكمال شعبان ثلاثين يوما ، وقد بنى هذا الأصل الأصيل لنظام ثبوت الصيام على عدة قواعد شرعية في ضوء نصوص القرآن والحديث النبوي وقواعد منطقية اجتهادية قائمة على الاستقراءات العلمية والتجربية ، ونظرا لهذه القواعد الهامة العامة قد أوجب العلماء قاطبة وجوب التحري في هلال رمضان وغيره من الشهور العربية التي يلزم فيها بعض العبادات المعينة مثل الصيام في رمضان والحج في ذي الحجة وعيدي الفطر والأضحى وغيره ، علما بأن الشهور العربية تكون أحيانا تسعة وعشرين يوما وأحيانا ثلاثين يوما ذلك هو الواقع المحسوس .

والدليل على كون الأهلة مواقيت العبادات في الإسلام ما هو عام مثل قوله تعالى :”يسألون عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج” (البقرة : 189) . وما هو خاص مثل قوله عز وجل :”شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه” (البقرة : 185) . ومن الأحاديث الواردة في هذا شأن قوله صلى الله عليه وسلم : “إنما الشهر تسع وعشرون ، فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له” (رواه مسلم وأحمد) ، وفي رواية أخرى أصح أكمل من هذه الرواية :”صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما” (متفق عليه) .

وقد اشترط علماء المسلمين بالإجماع في ثبوت الصيام ثبوت رؤية الهلال ، فإن لم تثبت رؤية الهلال مساء التاسع والعشرين من شعبان فيجب إكمال شعبان ثلاثين يوما ، ومن أجل ذلك فرض على المسلمين فرض كفاية أن يتحوا رؤية الهلال يوم التاسع والعشرين من شعبان ورمضان وذي القعدة ، وبناء على أن إكمال شعبان ثلاثين يوما لا يمكن تحقيقه إلا إذا كنا عرفنا أول شعبان ، ومن هنا قال بعض العلماء : أن تحري هلال شعبان أيضا فرض كفاية لأن عليه يترتب الحساب من أجل رمضان ويستدلون على ذلك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان (أي يتحرى) مالا يتحفظ من غيره ، ثم يصوم لرؤية رمضان ، فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام ” (رواه أحمد وأبو داود والحاكم على شرط الشيخين) .

خطر الخلط بين المرصج والحساب

لقد نشأ وهو كبير وخلط خطير في العصر العلمي التقني بين جهازين حسابيين أو تجربتين علميتين وهما : المرصد الفلكي والحساب الفلكي ، وأما المرصد فهو جهاز آلي علمي يرى به ويشاهد بعض الأشياء والذوات البعيدة قريبا أو مكبرا ومجهرا ، والرؤية عن طريق المراصد حقيقة ومشاهدة فتعتبر هذه الرؤية يقينية تؤخذ بها بحكم الشرع والعقل والمنطق وأما الحساب المعروف بالحساب الفلكي أو حساب الفلكيين مهما كان الأمر فيه من التدقيق والتنسيق العلمي والفني فإنما هو عرضة للتخمين والظن والحدس وقد تعرض فعلا للأخطاء ولا يزال يتعرض ، في مناسبات كثيرة حيث نرى ونسمع ونقرأ آثار تلك الأخطاء الحسابية ، وأن وجود هذا الاحتمال ولو كان ضئيلا ونادرا في ضوء التجارب العلمية المتقدمة يكفي دليلا على عدم اليقين القطعي ومن هنا أدى عدم جواز العلم بحساب الفلك وحساب الفلكيين فقط في إثباته الأحكام التي تتوفق على ثبوت رؤية الهلال يقينا وقطعا لأن هذا العلم الفلكي مع احتمال كونه يفيد العلم القطعي أحيانا فمادام يعمل فيه العقل البشري لا يخلو من احتمال تعرضه للخطأ كما لا يصل إلى درجة القطع النهائي من كل النواحي وهذا هو الذي نراه ونسمع ونقرأ ، من اختلاف الحسابات الدقيقة في التجارب الفضائية ومن خلال الأجهزة والأنظمة ، عن دائرة التحديدات والتدقيقات البشرية فالأولى والأحوط التقيد بنظام ثبوت الهلال بالرؤية البصرية المباشرة ولو عن طريق المراصد الفلكية ، وجدير بالذكر والانتباه بالحذر أنه قد حدث فعلا في السنين الأخيرة ثبوت رؤية الهلال في التاسع والعشرين من شعبان وكذلك بمناسبة عيدي الفطر والأضحى ، بعد أن أكد الحساب الفلكي عدم احتمال ثبوت الرؤية .

وأماا الشهادة القطعية والرؤية اليقينية فلن تحصل بالتقديرات والتحديات وبالأحرى التخمينات الفلكية وبحسابات الفلكيين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم نهيا قاطعا عن صوم يوم الشك وهو اليوم الذي بعد اليوم التاسع والعشرين من شعبان ، إذا تحدث الناس وتكلموا في رؤية الهلال ولم تثبت يقينا وقطعا أو شهد بها من ردت شهادته أو تعذرت الرؤية بغيوم أو غبار كثيف ، وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : “من صام اليوم الذي شك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم” (رواه الترمذي) وبه العمل عند أهل العلم جميعا .