قيمة الوقت في حياة المؤمن

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 21-أكتوبر-1986 م

إذا فكر مسلم في الأهمية التي يعطيها الإسلام للوقت في حياة كل مسلم وأدرك فحوى التعاليم القرآنية والسنة النبوية في شأن ضرورة الحفاظ على كل نفس من الأنفاس وخطورة المسئولية الكبرى التي ألقى الإسلام على أتباعه في مجال إنفاق كل لحظة من حياته بل وكل دقة من دقات قلبه ، يرى بثاقب فكره وواقد إدراكه أن الإنسان يحاسب عن كل نفس من أنفاس حياته لأن هذه الأنفاس جواهر نفسية لا تقدر بثمن ولا تساويها أموال الدنيا كلها لأن كل شيئ غال ونفيس في الدنيا يمكن أن يعوض أو يعاد أو يشتري فإذا خرج من حياة الإنسان أو ضاع منه لحظة من حياته فلا يمكن استرداده وتعويضه بمقابل كل ما في الدنيا من ثروات وأموال وطاقات وخبرات ولو اجتمع الجن والإنس ، ومن هنا نفهم الحقيقة الكامنة في قوله عز وجل ” لتسئلن يومئذ عن النعيم” فهل هناك نعم أثري وأغنى من نعمة الوقت الذي لا يقدر بثمن ؟ وهل هناك إناء يغترف به وعاء يحفظ فيه أنفس الأشياء وأغلاها سوى الوقت ؟ ويعرف الإنسان قيمة الوقت عندما لا يقدر على استخدامه ، أو الاستفادة منه بمرض أو ضعف أو قرب غمرات الموت وسكراته فيقول : “رب لولا أخرتني إلى أجل قريب وأصدق وأكن من الصالحين ، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون” (المنافقون) .

لماذا أقسم الله بالعصر ؟

لقد عد العلماء والحكماء من أئمة المسلمين قديما وحديثا سورة “العصر” من أعظم سور القرآن حكمة وأشملها من حقائق الحياة وثوابتها ، وعظات التاريخ وآثارها ، لأنها قد جمعت في جوامع الكلم أصول الحياة الإنسانية كلها عبر التاريخ من بدء الخليقة إلى يوم القيامة ولهذا السر الكامن فيها ولهذه الحكمة البالغة قد أقسم الله سبحانه وتعالى في مفتتحها بالعصر فقال “والعصر إن الإنسان لفي خسر ” فإن العصر هو وعاء الأحداث وساحة العرض لجميع فصول الحياة الإنسانية وإذا أراد إنسان أن يعرف بدء الخلق فلينظر في صفحات العصر الماضي ، وإذا أراد آثار الأمم السابقة فليرجع إلى طيات الزمان الغابر وإذا أراد العبر والعظات لمستقبل حياته فليلتفت إلى أحوال وتواريخ الأجيال التي كانت تعيش في أكناف العصر الممتد في هذا الكون من بدايته بإرادة خالقه ومدبره إلى نهايته بقضائه وقدره ، وأما الإنسان العاقل الواعي فيجد في ممرات العصر الممتد أمما وأجيالا عاشت وكانت منها الناجحة والخاسرة والظافرة والفاشلة ، وكان معيار النصر في طول العصر أربعة أمور وهي : الإيمان ، والعمل الصالح و التواصي بالحق ، والتواصي بالصبر . فكل أمة عاشت في أحد ممرات العصر المديد في ظل هذه الأعمدة فقد نصرت وفازت في حياتها وعدت من الأمم الناجحة ، وبينما الأمم التي تخلت أو تخبطت أو أغرقت عن هذه المظلة قد باءت بالفشل فإما الأمة الفاشلة فلم تفهم قيمة العصر أي الوقت أو الزمان وأن المراد بالعصر هنا هو الزمان ، ولم تستفد منه ولم تعرف حقيقته فلم يجدها الأسى والأسف بعد فوات الأوان فصار الدهر شاهدا على خسرانهم وديوان لقصصهم وصفحات حياتهم ولهذا يلفت القرآن أذهان الناس إلى الاعتبار بالعصر أي الوقت الذي كان يعيش فيه كل أمة مع خسرانها وفوزها .

مكانة الوقت عند الله تعالى

وقد حث القرآن في عدة آيات بينات ذوي الألباب والأبصار على أن يفهموا المكانة والعظمة والقيمة التي منحها سبحانه وتعالى للوقت ، ومنها الآيات التي تدل على محاسبة الإنسان على كل قول وفعل من حياته ولو كان مثقال ذرة ، فيقول : “ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” ويقول كذلك : “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” ثم يقول محذرا ومنذرا عن إضاعة الأوقات الثمينة عبثا وسدى : ” أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون” وقوله أيضا : “وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، وما تدري نفس بأي أرض تموت” (لقمان : 34) . وقال : “فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون” (النحل : 61) . وإنما تدل هذه الآيات كلها على مكانة الوقت وقيمته ودقة تنظيمه وتقديره عند الله عز وجل ، باللحظات والثواني .

ولا يجوز سب الوقت أو الزمان

لقد حذر الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي ، عن سب الدهر وإلصاق نتائج ارتكاب الإنسان الأخطاء والخطايا إلى الزمان باسم سوء الزمان ورداءة الوقت ونحس الأيام وما إلى ذلك من الخرافات والخزعبلات الشائعة بين بعض الناس جهلا وسفاهة فيقول : “الزمان وحش” و “الوقت سيئ” و “الزمان غادر” فكل هذا وذاك من الجاهلية الجهلاء والحماقة البلهاء ،لأن الزمان دائما طيب وصالح منذ أن خلقه الله ، وأن الإنسان بجهله وظلمه ينحرف ويتغافل عما يمليه الزمان ويحذره ويحاول الأخذ بيده ولكنه ينفلت منه ويفسد ويخسر بما كسبت يداه ثم يصب جام غضبه وبؤسه على الزمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه أنه قال : “يا عبادي لا تسبوا الدهر وإنما أنا الدهر” . وبين سبحانه أن الدهر من خلقه ولا يتسبب للإنسان إلا خيرا ولا ينبغي لأي بائس ومذنب أن يسبه ويتهمه لما أصابه من سوء فعله فلا يلومن إلا نفسه ! .