في رحاب الاحتفال بعيد الأضحى المبارك

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 14 -أغسطس-1986 م

الوقوف بعرفة اليوم ، الاحتفال بعيد الأضحى المبارك غدا ، يعطي أمة الإسلام درسا عمليا في الانضباط الإسلامي الرفيع ، ويذكر العرب والمسلمين جميعا بالأخوة والمساواة في أروع مظاهرها وأبهى معانيها ، كما يعلمهم أسلوب التجرد عن الأنانية والتخلي عن مآرب الذاتية والتمسك بأواصر الوحدة في الأهداف والوسائل .

ويتجمع جمع عظيم من مسلمي العالم اليوم ، في أقدس بقاع الأرض وأقدمها ، في مؤتمر إسلامي كبير رائع تحت رابطة : “إنما المؤمنون إخوة” وفي ظل شعار : “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فالأغنياء والفقراء والأمراء والعلماء العامة والخاصة ، والسود والبيض والسمر فكلهم في زي واحد وبتلبية واحدة .

أمجد وأخلد الذكريات

إن عيد الأضحى المبارك يذكر الإنسانية كلها بأمجد وأخلد الذكريات والمشاهد التي عرفت الدنيا كلها وهو ذكرى حياة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ومواقفه ومآثره وتضحياته النادرة وتلك المشاهد تبعث في نفس الإنسان السليم روح البطولة والتضحية والفدائية والتفاني كما تبعث فيه الانضباط المبدئي والسلوكي واللحركي ، والفصل الخطير الهام من قصة إبراهيم عليه السلام الخالدة هو يتخلص في أن أحدا من البشر يؤمر بذبح ابنه الوحيد وفلذة كبده أمرا ووجب التنفيذ فيتمثل التصور البشري .

فقد شاءت إرادة الله عز وجل أن يبتلي خليله ونبيه إبراهيم عليه السلام بأقسى صور الابتلاء بعد ابتلاء النار الموقدة فأمره بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده وقد امتثل كل منهما للأمر بروح الانضباط الإسلامي الرفيع ، وقد سجل القرآن الكريم هذه الواقعة الرائعة في غاية الإيجاز والإعجاز ذكرى لأولي الألباب مدى الأيام والدهور إذ قال : “فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، فلما أسلما وتله للجبين ، وناديناه أن يا إبراهيم ، قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ، إن هذا لهو البلاء المبين ، وفديناه بذبح عظيم ، وتركنا عليه في الآخرين بسلام على إبراهيم كذلك نحزي لمحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ، وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين ، وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ” (الصافات : 101 – 113) .

وبفضل إسلامهما لأمر ربهما ، وانضباطهما للنظام الإلهي قد جعل الله سبحانه وتعالى إبراهيم وذريته من بعده خيرة عباده في الأولين والآخرين وخلد لهم ذكرى عاطرة في الدنيا والآخرة فبعث رب العالمين من نسل إسماعيل عليه السلام خاتم الإنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد تلك التجربة الكبرى رزق الله تعالى خليله إبراهيم عليه السلام ولدا آخر هو إسحق عليه السلام ومن أبناء إسحق جاء جميع أنبياء بني إسرائيل إلى عيسى عليهم السلام فتكونت من إبراهيم وابنيه إسماعيل وإسحاق عليه السلام شجرة النبوة الخالدة التي أضاءت الدنيا بنور السماء ، وهذه هي نتائج الإيمان الخالص والتفاني السليم والانضباط الدقيق والاعتصام بحبل الله المتين .