فلتنظر نفس ما قدمت لغد

الخليج اليوم – قضايا إسلامية السبت 6-ديسمبر -1986 م

من المعلوم بالضرورة – عقلا وشرعا – أن هذه الحياة الدنيا ليست دار بقاء ودوام لأن إنسان ولا بد من انتهاء حياته فيها يوما من الأيام ويختفي عنها ، ولكن هناك اختلاف في التصورات والتخمينات والاعتقادات حول مصيره بعد الفراق من هذه الدار وانتهاء حركاته وأعماله وأقواله منذ أن فارق الروح أو فارقته الروح فهناك من يقول بانتهاء كل شيئ في حقه مع الموت ولا يقول بالروح أو بقائها أو الحساب والثواب والعقاب وغيره في حياة أخرى وهم أصناف يعرفون بأسماء مختلفة مثل الدهرية والملاحدة والماديين وما إلى ذلك وهناك آخرون يقولون ببقاء الروح ووجود حياة أخرى بعد هذه الحياة الدنيا فلهم تصورات عديدة مثل أفكار أصحاب تناسخ الأرواح أو السعادة أو التعاسة الروحية فقط بعد فراق الدنيا ، وهم لا ينكرون بقاء الروح أو الحياة الأخرى ولكن لا يقولون بالحساب والثواب والعقاب بالجنة والنار على أساس أعمالهم في هذه الحياة وفي مقدمة هؤلاء الطوائف الهندوسية أو بعض الجماعات المجوسية والبوذية وغيرها لأنهم يقولون ببقاء الروح والحياة الأخرى والعذاب والعقاب فيها ولكن عن طريق تناسخ الأرواح وما شابهه من بعض التصورات والأفكار الغريبة وليس هذا موضع الخوض فيها بالتفصيل .

وأما الفريق الثالث فهو القائل بالحياة الأخرى والثواب والعقاب فيها حسب ما قدمه الإنسان في هذه الحياة الدنيا ، بعد حساب دقيق ونصب ميزان عادل لا يفرق بين ذرة وما دونها من أعمال الإنسان فإليه يشير القرآن : “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” وهذا هو الفريق المؤمن المسلم الناجح في مفهوم القرآن ومنطوقه ومنظور الفطرة وقانون العقل السليم .

وقد أكد القرآن هذا القانون الإلهي الحكيم أي قانون الحساب في الدار الآخرة لكل صغيرة وكبيرة من أعماله وترتب الجزاء عليه ، وتحدد مثواه بعد ذلك إما في الجنة أو في النار : “تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيئ قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور” (الملك : 2) . ثم قال : “إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم” (الغاشية ) .

ويفند القرآن مزاعم الدهريين والملاحدة القائلين بنهاية حياة الإنسان بالموت فلا حياة ولا حساب ولا جزاء بعد ذلك ، فيقول : “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ” (المؤمنون : 115) . ويقول كذلك : “إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب” (ص : 26) .

وجدير بالذكر أن الدار الآخرة أي الدار التي تلي هذه الدار الدنيا تشمل ثلاث مراحل من حياة الإنسان بعد فراق الدنيا : أولا : حياة البرزخ زهي الحياة التي يقضيها الإنسان في القبر إلى يوم البعث كما أشار إليه القرآن : “ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون” (المؤمنون : 100) . وثانيا : الفترة التي يحياها الإنسان منذ البعث من قبره ليوم الحشر إلى تقرير مصيره بعد انتهاء المحاسبة وتحديد مأواه الأبدي إما في الجنة أو في النار في ضوء حساب الميزان . وثالثا : الحياة في المثوى النهائي الأبدي وبين وأكد القرآن هذا المصير الأبدي لكل إنسان في المرحلة الأخيرة من مراحل حياته فقال : فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى” (النازعات : 41) .

وقد عبر القرآن عن هذه المراحل الثلاث من الحياة الآخرة بلفظ “غد” فإن “الغد” الذي يلي الحياة الدنيا يشمل البرزخ ويوم الحساب والمأوى الأخير الأبدي من الجنة والنار ، ويجب على الإنسان أن يتزود بالزاد اللازم لهذه المراحل الثلاث وينظر في نتائج ما قدمه لها في هذه الحياة الدنيا وإن هذه الحقيقة قد أشار القرآن كالآتي : “يا أيها الذين آمنوا اتقوا ولتنظكر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون” (الحشر : 18) ثم قال : “سيعلمون غدا من الكذاب الأشر” (القمر : 26) .

وهذا هو “الغد” المعنى في شعر الزاهد الحكيم :

غدا يتبيـن الســادات منـــا وننظر من تكون له القطان

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد” (الأنفال : 51) .

من الهدي النبوي

قال النبي صلى الله عليه وسلم :”اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة” (متفق عليه) .

من الأدعية المأثورة

من قال : “سبحان الله وبحمده” في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ( متفق عليه).