عظمة الإنسان في خدمة الناس لا في حظوظ النفس

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 2-ديسمبر -1986 م

إن العظمة صفة يمنحها أو يقدرها الغير لشخص وليست بصفة يدعيها بنفسه له أو يتظاهر بها ويطمع فيها بجدارة واستحقاق أو بتكلف وزور ، ومهما كان الأمر فإنها صفة مكتسبة وليست وراثية أو سلعة تباع وتشترى .

ومهما كانت حظوظه الشخصية من مال وجاه ، ومنصب وحسب نصب ، فإذا لم تؤهله مواصفاتها الخاصة ، لن يكون عظيما في أعين الناس وفي اعتبارهم وفي سجل التاريخ ، بل ادعاؤه العظمة بدون جدارة واستحقاق مثارا للهواه والسخرية والاستذلال والاحتقار عند الناس ، ومن هنا صارت العظمة صفة مكتسبة لا وراثية ولا وظيفية ولا مظهرية بواسطة المال والجاه والهندام .

وأما الأمر الهام الخطير في تمديد أو تعريف مفهوم العظمة فإنما هو إدراك كنهها وماهيتها وأن العظمة معناها الصحيح أن محلا لتوقير الناس وتكريمه وتفخيمه ، وإذا كان المراد منها الكبرياء بنفسه والتعاظم والتعالي فيكون صاحبها محلا لازدراء الناس وتحقيرهم والنظر إليه بعين الاستهزاء والامتهان ، ويتبين من هذا المفهوم الفطري المعروف أن الإنسان يكسب صفة العظمة من الآخرين وليست هي صفة يقلدها بنفسه عليه أو يتظاهر بها وليست هي أيضا صفة يجلبها بماله أو نسبه أو منصبه ، ومن المعلوم عقلا وعرفا إلا من يقدره ولا يشكر إلا من يحسن إليه ، وكل هذه الصفات من المعاني والخصال التي تتعدى آثارها من نفس إنسان إلى نفوس الآخرين فلا يلتفتون إليه فضلا لا يقدرونه ولا يشكرونه لأنه منطو على نفسه ، وليس فيه شيء يتعدى أثره إلى الناس ويجذب انتباههك ويكسب احترامهم ويسبب شكرهم .

فمن أراد أن يكسب صفة العظمة ويكون عظيما في أعين الناس بدون مداهنة ولا منافقة ، فيجب أن يقدم إليهم خدمات تنفعهم وتجعلهم ينظرون إليه بعين التقدير والاحترام والتفخيم والتعظيم ، وبعبارة أدق ، أنه ينبغي له أن يشعرهم أولا بأنهم محل تكريمه وعنايته وأنه يعتبرهم ذوي مكانة لديه ويفتخر بخدمتهم وإسداء المعونة إليهم ، ويسعد بحصبتهم ، وليس له أي تعاظم أو تمايز عليهم ، وحينما يشعر الآخرون بأن لهم مكانة عنده فمن الطبيعي أن يتبادل الشعور بالمثل بل يريدون أن يصوروه عظيما باللاشعور لأن طبيعة الإنسان تقتضي أن يتصور ويصور أن تعامله مع العظيم ومصداقته ومجالسته مع العظماء فلا فخر له إلا إذا لم يكن من يجالسه ويصادقه عظيما ، ومن هنا قال بعض الحكماء : إن العظيم هو الذي يتعامل مع الناس كأنه أقل منهم مكانة ، وأن الأعظم هو الذي يشعر الذين يحضرون عنده ويجلسون معه بأنهم عظماء ! وتتجلى هذه الحقيقة المرة من سيرة أعظم الخلق وأكرمهم بالإجماع ، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت من سيرته العاطرة أنه لا ينصرف أحد من مجالسه إلا وهو يشعر بأنه كان أقرب الناس إليه وهو الذي قال : “وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل” (رواه مسلم) .

وقيل صدقا وحقا : “سيد القوم خادمهم” وكذلك ” من خدم خدم” .

وما اكتسب أحد من العظماء عظمته الحقيقية إلا عن طريق تقديم خدمات نافعة دائمة للناس بإخلاص وصدق نية ، وأما العظمة المزعومة أو المفروضة بقوة المال أو الجاه أو السلاح أو السلطان فإنما هي عظمة مؤقتة خرقاء .

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور” (فاطر : 5) .

من الهدي النبوي

“وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما ، وعند الله صغيرا” (رواه مسلم) .

من الأدعية المأثورة

“اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت” (متفق عليه) .