المقومات الثلاثة لذاتية العالم الإسلامي

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 1-ديسمبر -1986 م

إن الإسلام هو أساس كيان العالم العربي الإسلامي وأن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو روحه الذي أبرزه للوجود كوحدة موطدة الأركان ومدعمة الأساس ومتراصة الصفوف ، لأن العرب كانوا قبل ظهور الإسلام وحدات مفككة الأوصال وقبائل مختلفة ومواهب مبعثرة ، وكانوا عرضة لمطامع الدول المستبدة المجاورة .

ومنذ أن هبت عليهم نفحة الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وعلمهم الكتب والحكمة ، قد أصبح العالم العربي مهد الإسلام وحصن الحضارة الإنسانية القائمة على الإيمان والحق والعدل ، وقد خلق الإسلام من الأمة العربية المتناثرة في القيائل والعادات والتقاليد البالية ، أمة ناهضة بل وقائدة للعالم الإنساني إلى النور والعرفان ، وبهذا الإيمان والقوة المعنوية وروح التضحية انتصر العرب على الدول والحضارة القديمة ذات قوى مادية عديدة مثل حضارة الامبارطورية الفارسية وحضارة الامبراطورية الرومية والحضارة الفرعونية وغيرها .

والعنصر الثاني من مقومات هذه الأمة هو اللغة العربية الفصحى التي هي وعاء القرآن والعلوم الإسلامية كلها ، وأن اللغة العربية هي من أقدم اللغات وأغناها على الإطلاق ، ولأسرار وحكم يعلمها خالق البشر ، اختار هذه اللغة وعاء لكتابه الخالد كما أشار إليه قوله تعالى : “وأنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين” (الشعراء : 195) .

ومع نزول القرآن في هذه اللغة ارتفع شأنها وأصبحت اللغة السائدة في بلاده العرب والمسلمين ، وأن لها فضلا كبيرا على نشر حضارة الفكر العربي والإسلامي وتقدم العلوم والفنون والآداب العربية ، وأن اللغة العربية تربط بين العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها برباط فكري ولفظي ، لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهر اللفظي وأن إعجاز القرآن منوط باللغة العربية ، وأما الترجمة فتعوزها روح الأصالة وروعة النصوص التي ينوط بها إعجاز القرآن .

وأن هناك خطة خفية لانتزاع حبل اللغة العربية التي يعتصم به العرب والمسلمون كأهم مصدر للوحدة الفكرية بينهم جميعا ، أو لانتقاص أهميتها في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم العربي الإسلامي ، فإن الاهتمام باللغة العربية والعمل في سبيل النهوض بها ونشرها والإحساس الدائم بأن النهضة العربية المميزة لا تكتمل داعئمها إلا بنهضة اللغة العربية وعلومها وإثرائها والانتماء إليها بكل فخر واعتزاز .

والعنصر الثالث منها ، هو الحياة الجادة الخشنة – إن صح هذا التعبير – والعزوف عن الحياة المصطنعة المترفة ، وبعبارة أخرى الأخذ بجوهر الأشياء وروح الأمور ونبذ المظاهر والقشور ، وبفضل هذه الصفة المميزة التي تمتاز بها الأمة العربية الإسلامية ، قد اختارها الله سبحانه وتعالى لرسالة الإسلام وصحبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والاضطلاع بأعباء الدعوة والجهاد ، لأن هذه الصفة قد خلقت من العرب المسلمين أمة قوية سليمة لم تبتعلها زخارف الحياة الواهية ولم تضعفها مظاهر الترف واللهو الزائفة ، وأما الأمم الأخرى من الفرس والروم وغيرهم فما كانت تستطيع ، بحكم حياتها المترفة وانشغالها بشهوات الدنيا وملذاتها واهتمامها بسفاسف الأمور ، أن تتحمل أعباء الدعوة والجهاد في سبيل الحق والعدل ومهمة خدمة الإنسانية البائسة وإبلاغ رسالة الإسلام عبر القارات والبحار بالتضحية والإيثار وبشق الأنفس .

وقد أدرك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، بثاقب فكره وبطول تجاربه هذه الحقيقة التي هي سر نجاح العرب المسلمين في مواجهة تحديات الأمم والامبراطوريات الأخرى القوية المتينة ذات حضارة وشوكة ومنعة ، فكتب إلى بعض ولاته العرب الذين كانوا يتولون مهام تصريف شؤون الحكم في بلاد العجم : “إياكم والتنعم وزي العجم ، وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب، واخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا” (رزاه البغوي . المراد التزام التخشن في المطعم والملبس ، والصلابة في أمور الحياة مثل الخشب ، والتبذل في الملابس ومظاهر العيش) .

وهكذا كان قادة الأمة العربية الأوائل يربون حكام الأمة وأفرادها وجماعاتها على حياة البساطة وخشونة العيش وروح الرجولة والجلادة ، والابتعاد عن حياة الترف والدعة والمجون ، وعلى الإيثار والتعاون والتفاني في سبيل خدمة الإنسانية وتوطيد أركان الأخوة والمحبة .

وبفضل هذه المقومات الممثلة في عقيدة التوحيد القويمة واللغة العربية الغنية السليمة والحياة الجادة السوية بعيدة عم مظاهر الترف الزائف والميوعة الناعمة .

خرج العرب المسلمون في القرن السادس للميلاد ، من حدود جزيرتهم ومن ضيق الحياة فيها ، ومن ضيق التناحر والتحارب القبلي ومن عالم المعتقدات الجاهلية البالية ، إلى عالم من السيادة الروحية والعلمية والسياسية فأخرجوا الأمم الأخرى من غياهب الظلام إلى النور ومن الجهل إلى العلم ، وأقاموا علما ناهضا ، على أساس العقيدة الواحدة والمساواة الإنسانية الكاملة والعدالة الشاملة وهي الصفات المميزة لذاتية العالم الإسلامي ! .

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين” (العنكبوت : 69) .

من الهدي النبوي

“نعمتان مغبونم فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ” (رواه البخاري) .

من الأدعية المأثورة

يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ” (رواه والترمذي).