دعوة الإسلام إلى التقريب بين الأمم والشعوب

الخليج اليوم – قضايا انسانية – 1-10-1985

بعد أن تكفلت الحضارة الحديثة والاكتشافات الجديدة بإزالة الحواجز الوهمية مثل الجغرافية والسياسية والفكرية بين الأمم والشعوب في أنحاء العالم ، وكذلك بعد أن تغلبت تلك الحضارة والاكتشافات على الحواجز الطبيعية مثل البحار والأنهار والجبال والصحارى ، بدأت الأمم والشعوب تتقارب وتتعاون ولكن الحواجز المصطنعة والفروق الاعتبارية غير الفطرية ، من جنسية ، ولونية ، ولغوية وغيرها ، تقف في طريق تحقيق رغبات أولئك الذين يعملون بجد واجتهاد ويرغبون بصدق وإخلاص ، في التعاون والتقارب بين شعوب العالم من أجل حياة سعيدة في ظلال الأمن والسلام .

ولا يسع كل محب للسلام والطمأنينة في العالم إلا أن يبارك هذه الجهود ويقدر هؤلاء العاملين من الساسة والقادة والزعماء والعلماء والكتاب وغيرهم .

ولكن نرى يوما بعد يوم ، عراقيل في طريق هذا الهدف وموانع في سبيل هذه الغاية فالتقدم بطيئ جدا ، والطريق وعر والهدف بعيد ، وأما العلة الوحيدة في جمود التقدم في هذا الميدان والفسل في هذا السعي فترجع إلى عاملين رئيسين هما : انعدام الإخلاص وضعف النية في التطبيق من أبرز العناصر لنجاح الدعوات والتوصل إلى الغايات .

المثل الأعلى في النظام الإسلامي

إذا درسنا تاريخ الدعوة الإسلامية نجد أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وصحبة الكرام والنظام الذي نفذوه وبلغوه كان المثل الأعلى في توطيد أواصر التعارف والتعاون والتضامن بين الأفراد والجماعات على أسس من الأخوة الإنسانية ، وربطوا بين القبائل والشعوب المتحاربة المتخالفة منذ عصور بالغة في القدم برباط المساواة في الحقوق والواجبات واللحب والود ووضع النبي صلى الله عليه وسلم نظاما رائعا في جملته وتفصيله ، وألغى الفوارق بين الطبقات أمام القانون وحرم التنابز بالعصبيات والتباهي بالأنساب ، وأوصي بالضعيف والفقير والمسكين وحرم إلحاق الأذى بأي إنسان أو حيوان من غير حق يخوله الدستور الإلهي لإقرار الأمن والطمأنينة في المجتمع البشري . وبفضل هذا الصدق في العزيمة والإخلاص في الدعوة أصابوا أهدافهم وبلغوا غاياتهم خلال مدة قصيرة ، فقد المسلم الصيني أخا للمسلم العربي ، والأوربي أخا للمسلم الإفريقي والهندي أخا للمصري ةالروسي أخا للأمريكي أخوه صادقة عميقة لا تشوبها مظاهر الرياء والسياسة الجوفاء والدبلوماسية البراقة والتاريخ على ذلك شهيد والمراجع عديدة لكل من يريد الاطلاع على هذه الحقيقة التي لا يتسرب إليها أدنى شل ولا ريب لمن كان له قلب يشعر أو أذن تسمع .

ومن الأسس التي أقام عليها الإسلام صرح التقريب بين الشعوب والأمم ، مهما اختلفت الحواجز الطبيعية والفوارق الوهمية فيما بينها التعاليم الحقة والنصوص الصريحة الواردة في القرآن والسنة النبوية ومنها :

قوله تعالى : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” .

وقوله : “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”.

وقوله : “يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” .

وقوله أيضا : “إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ” .

ويقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : “الناس سواسية كأسنان المشط ، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى ” .

وقوله عليه السلام : “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” ..

وقوله أيضا : “المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ” .

وقوله كذلك : “كل المؤمن على المؤمن حرام دمه وماله وعرضه ” .

الأثر التطبيقي العملي

وكانت أفعاله عليه السلام تطبيقا عمليا لأقواله وتعاليمه . وإذا دعا إلى التعاون فهو في تعاونه المثل الأعلى ، وإذا دعا إلى العدل صدق فعله وقوله ، وقد نهج خلفاؤه الراشدون وأمراؤهم وحكامهم هذا النهج النبوي القويم . وبهذا الأسلوب من الإخلاص في القوم وصدق النية في الدعوة والتطبيق العملي لمبادئ تلك الدعوة نجح محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه في التقريب بين الشعوب والتضامن بين مختلف طبقات الأمة الإنسانية وكان ذلك مثلا تاريخيا فذا كما كان موضع الدهشة والإعجاب عند المؤرخين الأصدقاء والأعداء على السواء .