المبادئ القرآنية لبناء الأمة المثالية-5

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 8-أبريل -1987 م

أشرنا في الحلقة الماضية إلى بعض الأساليب الصهيونية لتزييف تاريخ الدور الحضاري للمبادئ القرآنية في بناء أمة مثالية ذات حضارة إنسانية رفيعة القدر والشأن في جميع المجالات في الحياة البشرية وإلى محاولات الجهات المغرضة من مختلف العناصر المعادية للإسلام والمسلمين لتسميم عقول الناس وتشويه الحقائق أمام الباحثين والدارسين لدور الإسلام في بناء حضارة إنسانية نبيلة ، وكذلك بفضل الحضارة الإسلامية القائمة على التعاليم القرآنية الحكيمة على الحضارة الأوروبية الحديثة والنهضة العصرية العلمية والتكنولوجية ، وأشرنا بإيجاز إلى الأصول الإنسانية الفطرية العادلة في الحضارة التي قدمتها الأمة الإسلامية في عصورها الذهبية إلى العام ، ودورها في إزالة الفوارق الطبقية والعنصرية واللونية بين أبناء المجتمع الإنساني .

ويمكن لنا أن نلخص اللمسات الإنسانية التي تمتاز بها الحضارة الإسلامية على ما سبقها ولحقها من حضارات ، والتي أعطت لهذه الحضارة الحيوية والتفوق مدى الدهر في النفوس الخيرة ، في نقاط ثلاث .

1 – التسمح الديني ، فقد امتازت الحضارة الإسلامية باحترامها لأصحاب العقائد الدينية الأخرى ، ونالوا في حظيرة هذه الحضارة كل حرية وسهولة ليمارسوا شعائر عقائدهم وتعاليم مذاهبهم ، ونشر ثقافتهم وحضارتهم ، وإذا دل هذا التسامح على شيء إنما يدل على مدى الروح الإنساني العام والحب العلمي لدى أهل الإسلام ، لأن القرآن الكريم والسنة النبوية قد منحا للتقدم العلمي والحضاري أهمية كبرى ، ووضعا المعيار والعلمي والعملي للمقارنة بين الأفراد والجماعات ، ولا فرق بين شخص وآخر في نظر الإسلام إلا بالعلم النافع والعمل الصالح .

2 – العدالة الاجتماعية ، وحينما ألغى الإسلام نظام الطبقات بين البشر على أساس اللون والجنس والوضع الاقتصادي والسياسي وما إلى ذلك من الفوارق المصطنعة ، فقد ألقى أيضا نظام التفرقة بين المجتمع الذي يعيش تحت ظل دولة الإسلام ، سواء أ كان أبناء هذا المجتمع مسلمين أو مسيحيين أو يهودا أو غيرهم ، فقد ساعدت الدولة الإسلامية علماء اليهود وسائل التشجيع والمعونات المالية ، وكان المسلمون يعاملون ، في أي عصر من العصور ، اليهود والنصارى على أنهم جميعا من أهل الكتاب ، وفي هذا دليل ساطع على عمق مبدأ التسامح الديني والعدالة الاجتماعية والمساواة الإنسانية الحقة في نظر الحضارة الإسلامية .

3 – الروح العلمي ، وللتعاليم القرآنية والإرشادات النبوية أثر بالغ في الحياة العقلية للمسلمين ، والإٍسلام يحث دائما وأبدا على النظر والتفكير في الكون الذي نعيش فيه وفي ظواهره المختلفة ، ورفع شأن العلم والعلماء ، بحيث لا يوجد له مثيل في تاريخ الأمم والشعوب ، كما يقول القرآن الكريم بأسلوب صريح جدير بالاعتبار أي اعتبار : “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” ثم يقول : “ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ” ثم يذكر الإنسانية كلها بأكبر نعمة أنعمها رب الكائنات إذ يقول في كتابه الكريم :”واذكروا نعمة الله عليكم ، وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة ” .

وكانت الروح العملية هي الينبوع الأول الذي اغترف منه المسلمون الأول أصول ثقافتهم وحضارتهم وانطبعت حياتهم بطابع النظر والفكر والاختراع وتحصيل العلوم من كل مكان وظرف لسان ، ومتخذين شعارهم من إرشاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم :”الحكمة ضالة المؤمن” ، فأدى التعليم الإسلامي الأولى إلى اشتغال المسلمين المتمسكين به بالعلوم الكونية على اختلافها ، وهي الجغرافيا والكيمياء ، والطبيعة (الفيزياء) والفلك ، والطب ، والرياضيات ، وهذا كله إلى جانب علوم التفسير والحديث والفقه وعلم التاريخ والمنطق والفلسفة وغيرها من العلوم النظرية التي ازدهرت بأيدي العلماء المسلمين .

وأن التعاليم القرآن هي الينبوع الأول والأكبر للحضارة الإسلامية وعلى أسس هذه التعاليم قام بناء هذه الحضارة ، ولا يخفى أيضا على من له إلمام بتاريخ حضارات الأمم ، ما كان للأمة العربية من حضارة عريقة وثقافة إنسانية عالية ، قامت على جزيرة العرب نفسها ، في عصور سيأ وحمير ، وكذلك الحضارات الأشورية والبابلية والآرامية ، وما كان لهذه الحضارات من علاقات وصلات مع الحضارات الكبرى التي قامت في الشام ومصر والعراق والهند ، ومن الواضح من الحقائق التاريخية أن المجال الذي نهضت فيه الحضارة الإسلامية هو موطن معظم الحضارات الكبرى في العالم الإنساني ، وأن الينبوع الجديد لهذه الحضارة هو رسالة الإسلام العلمية والحضارية ،و هذه الرسالة تدعو إلى بناء حضارة ناهضة وحماية كل الحضارات الإنسانية .

(يتبع)

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون” (آل عمران : 104) .

من الهدي النبوي

“من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” (رواه مسلم) .

من الأدعية المأثورة

“ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا” (آل عمران : 147) .